فوقعت في قلبي موقعا عظيما فذهبت إليه والتمست منه القراءة فأقرأني في فنون عديدة. قلت: ولازمه المذكور سنين حضرا وسفرا حتّى مهر في الحساب والفلك بأنواعه من هيئة وربع واصطرلاب وغير ذلك، ونظم في ذلك عدّة مناظيم، ونظم «دليل الطّالب» في ثلاثة آلاف بيت نظما لا بأس به، إلّا أن نطمه بعده حسن، وفاق حتّى تراسل هو وأدباء اليمن بالقصائد الطّنّانة، منها قصيدة للبليغ الكامل السّيّد أحمد صائم الدّهر أوّلها:
* هو الجود حتّى لا تخيّب آمال *
وأخرى مطلعها:
بدت فأقرّت كلّ قلب وناظر … فإن تحكها يا بدر وجها فناظر
وكان عجيب الذّكاء مع ما فيه من الخفّة والاسترواح، وانفرد بتدقيق علم الجبر والمقابلة والخطّائين والهندسة والهيئة حتّى كان كبار تلامذة شيخه الشّيخ عبد الله سراج يقرءون عليه، ورأيته لا يرتضيهم تلامذة، وأرسله شيخه السّيّد السّنوسيّ إلى السّودان في شغل فلمّا رجع وجد شيخه قد سافر إلى المغرب، فلم تطب له الإقامة بعده، وأراد اللّحاق به، فأرسله والي جدّة عثمان باشا إلى الحبشة فطاب له المقام هناك وسكن من سنة ١٢٥٧، وجاء منه مكاتبة سنة ١٢٧١، أنّ مراده المجيء ولكن له ولد لا يطيق الرّكوب على الدّابة فلعلّه يكبر قليلا وسحبه معه؛ لأنّه وإن تركه لا يجتمع به إلّا في المحشر، ثمّ انقطع خبره بعده.