يستتبع بالطبع رواج فنها. ولا نغفل في هذا الباب ما اخترع من الأعاريض والأوزان الشعرية الجديدة الموشحات والأزجال. فإن هذه وإن كانت قد اخترعت في الأندلس ولقيت من أمراء العهد المرابطي كأبي بكر بن تافلويت كل تشجيع إلا أنها إنما بلغت أوج الكمال في هذا العصر. . ففيما يخص التوشيح نرى جماعة من فرسانه ينقطعون إلى أمراء الموحدين الذين كانوا يعرفون بالسادة يمتدحونهم بموشحاتهم التي كانت تقع منهم أحسن موقع. ونجد سابق هذه الحلبة الوزير أبا بكر بن زهر قد اختص بالخليفة يعقوب المنصور وحظي عنده حظوة لا مزيد عليها. فمما لا ريب فيه أن اصطناع رجال الدولة من الموحدين لأهل هذا الفن، هو اصطناع للفن نفسه ينم عما وراءه من إعجاب وتقدير، لا سيما وقد كان نظر الأدباء المحافظين في التوشيح ليس بذاك، كما يشعر به كلام المراكشي في المعجب الذي امتنع عن رواية شيء من موشحات ابن زهر «لأن العادة لم تجر بإيراد الموشحات في الكتب» تماماً كما ينظر بعضهم اليوم إلى هذا الشعر الحر. فتقريب الموحدين للوشاحين واحتفالهم بهذا الفن من القول؛ فيه تشجيع لهم وتنشيط، إذ الناس على دين ملوكهم كما يقولون. وانظر إلى هذه الجزئية التي رويت عن السيد أبي عمران موسى بن محمد بن يوسف بن عبد المؤمن وإلي إشبيلية؛ فقد أنشد له من شعره قوله يخاطب الأديب أبا الحسن بن حريق يستحثه على نظم الشعر في عروض الخبب:
خذ في الأشعار على الخبب ... فقصورك عنه من العجب
هذا وبنو الآداب قضوا ... بعلو محلك في الرتب
فإن منها يظهر أن هؤلاء الأمراء كانوا يوجهون الأدباء ويقترحون عليهم ما يقولون وكيف ينظمون ومثل هذه الجزئية رويت عن المنصور نفسه.
واذا كنا ذكرنا أبا بكر بن زهر وهو أندلسي لنقول إن التوشيح ازدهر على يده؛ فإن الوشاح المغربي الذي يعد فريد عصره هو القاضي أبو حفص بن عمر الأديب الشهير؛ له موشحات مشهورة يغني بها في الأقطار كما قال ابن سعيد المغربي في الغصون اليانعة، وإن كان لم يصلنا منها شيء، مع الأسف، وما قيل في التوشيح يقال في الزجل ويزاد أنهم في فاس اخترعوا وزناً جديداً منه سموه عروض البلد