ونوعوه إلى أنواع، كل نوع منها له اسم. وذلك هو ما يتحدث عنه ابن خلدون في المقدمة، بعد كلامه على الزجال ابن قزمان وطريقة أهل الأندلس في نظم الزجل فيقول:«ثم استحدث أهل الأمصار بالمغرب فناً آخر من الشعر في أعاريض مزدوجة كالموشح فنظموا فيه بلغتهم الحضرية وسموه عروض البلد وكان أول من استحدثه منهم رجل من أهل الأندلس نزل بفاس يعرف بابن عمير، نظم قطعة على طريقة الموشح ولم يخرج فيها عن الإعراب إلا قليلاً؛ فاستحسنه أهل فاس وولعوا به وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم، وكثر شيوعه بينهم، واستفحل فيه كثير منهم ونوعوه أصنافاً إلى المزدوج والكازي والملعبة والغزل، واختلفت أسماؤها باختلاف ازدواجها وملاحظاتهم فيها.»
فهذه مدرسة جديدة للزجل نشأت بالمغرب وعملت على تطوره شكلاً ومضموناً؛ من حيث وضعت له اسماً جديداً هو عروض البلد ونوعته إلى أصناف تندرج تحت هذا الاسم العام، وإن كان لكل صنف منها اسم خاص بحسب الغرض الذي يتناوله. وقد سمى ابن خلدون بعد ذلك بعض زعماء هذه المدرسة؛ فذكر منهم ابن شجاع التازي والكفيف الزرهوني. والنماذج التي أعطاها من أزجالهم هذه، ترينا كيف تطور موضوع الزجل فأصبح يستوعب أهم الأغراض الشعرية الحماسة والحرب والمدح والوصف والوصايا والحكم، بعد أن كان قاصراً أو يكاد على الحب والخمر، والطبيعة والزهر. ولقد أطرد هذا التطور في الشعر الملحون، وهذا هو ما يسمى به الزجل اليوم، في المغرب. فصار يتضمن من الملاحم والقصص والتمثيل ما بقي يعوز الشعر المعرب في العالم العربي كله إلى فجر النهضة الحديثة.
ويجب أن نشير إلى أن تسمية الناس له بالشعر الملحون هي من قبيل الوصف الكاشف، لأنه أدب الطبقة العامية، نظمته هي أو نظمه لها أفراد يحسنون الإعراب. ولكنهم تركوه قصد الإبلاغ، لا لكونه ليس من شأنهم كما مر عن ابن خلدون آنفاً. ويدل على ذلك قول الصفي الحلي في كتابه العاطل الحالي الموضوع في الزجل (١) وقد
(١) النص الوارد هنا ذكره الدكتور عبد العزيز الأمواني في كتابه «الزجل الأندلسي». نقلاً عن مصورة العاطل الحالي الموجودة بمكتبة جامعة القاهرة.