فإذا أحست بالأمير يزورها ... في قومه قامت إلى الزوار
يبدو فتبدو ثم تخفى بعده ... كتكون الهالات للأقمار
فطرب المنصور لسماعها ولم يرض بما قيل في مقصورته غيرها.
كذلك بني عدة مساجد ومدارس في كل من إفريقية والأندلس والمغرب ومنها المسجد الأعظم بمدينة سلا ومدرسته الباقية إلى الآن شاهدة بأن هذا المسجد يضاهي القرويين في الضخامة والجفوة كان من معاهد العلم المقصودة حتى احتيج إلى بناء مدرسة حوله. ويعد بناء المدارس في هذا العهد من مظاهر التقدم العلمي، وقد أصبح تقليداً متبعاً حتى من أفراد الشعب. ونشير هنا بالخصوص إلى مدرسة الشيخ أبي الحسن الشاري من أعلام هذا العصر التي أنشأها في مدينة سبتة وكان لها صيت بعيد.
وفي مراكش كان يوجد مجمع علمي يسمى بيت الطلبة، وهو يذكرنا ببيت الحكمة الذي كان في بغداد على عهد المأمون. وكان مألفاً لأهل العلم من أصليين وطارئين. وإذا علمنا أنه كانت هناك وظيفة يسمى صاحبها رئيس الطلبة، فغير بعيد أن يكون هو عميد هذا البيت. وكان الموحدون يطلقون اسم الطلبة على أهل العلم عامة وأهل الحديث خاصة ولا يولون هذه الوظيفة إلا العلماء الراسخين أمثال المحدث ابن القطان والقاضي ابن المالقي. وفي هذا البيت استقبل أبو عمر بن عات، وألقيت عليه أحاديث من صحيح مسلم محولة المتون والأسانيد فأعادها إلى أصلها. فإن لم يكن بيت الطلبة هذا مدرسة للحديث كالتي أنشأها نور الدين محمود بن زنكي في دمشق، فهو في أقل تقدير مجمع علمي كما قلنا، تفردت به مراكش الموحدية عن سائر عواصم المغرب وإفريقية والأندلس.
ومما حلى به المنصور جيد أعماله التمدينية ورصع تاج الحضارة المراكشية المستشفى العظيم الذي يقول صاحب العجب فيه:«ما أظن في الدنيا مثله». وناهيك بها شهادة من رجل جاب الأقطار واخترق الأمصار. وهاك صفته نقلاً عنه:
«وبنى بمدينة مراكش مارستاناً ما أظن أن في الدنيا مثله، وذلك أنه تخير