ساحة فسيحة بأعدل موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح، وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار والمشمومات والمأكولات، وأجرى فيها مياهاً كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه، إحداها رخام أبيض. ثم أمر له من الفراش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف ويأتي فوق النعت، وأجرى له ثلاثين ديناراً في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجاً عما جلب إليه من الأدوية وأقام فيه من الصيادلة العمل الأشربة والأدهان والأكحال، وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم من جهاز الصيف والشتاء، فإذا نقه المريض فإن كان فقيراً أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنياً دفع إليه ماله وتركه وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلى أن يستريح أو يموت. وكان في كل جمعة بعد صلاته يركب ويدخله يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت، بيت يقول: كيف حالكم وكيف القومة عليكم إلى غير ذلك من السؤال، لم يزل مستمراً على هذا إلى أن مات رحمه الله».
وفي هذه القطعة دليل على تقدم علم النبات والفلاحة فضلاً عن الطب والكيمياء، وبستان المسيرة أعظم دليل على ذلك. وهو بستان أحدثه عبد المؤمن بضاحية مراكش، طوله فيما يقول ابن عذاري وصاحب الحلل ثلاثة أميال وعرضه قريب من ذلك. وكان فيه كل فاكهة تشتهى وجلب إليه الماء من أغمات زيادة على ما استنبط له من العيون الكثيرة. وأنشأ فيه صهريجاً واسعاً كالبحيرة كان يمرن فيه الجنود وشيوخ الموحدين على العوم والتجذيف كما في الحلل. وهذا الصهريج هو المعروف بالمنارة الكائن في أكدال بمراكش. قال ابن إليسع: وما خرجت أنا من مراكش في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة إلا وهذا البستان الذي غرسه عبد المؤمن يبلغ مبيع زيتونه وفواكهه ثلاثين ألف دينار مؤمنية على رخص الفاكهة مراكش. قال الناصري: «ودعاه ابن عذاري ببستان المسرة وقال أنه بظاهر جنان الصالحة. ولشهرة هذا البستان وموقعه من الناس لهجت به صبيانهم وسجعوا به فيقولون:
يا جرادة مالحة، أين كنت سارحة، في جنان الصالحة. . . في أسجاع غير هذه