تجري على ألسنة الصبيان. وما زال هذا النشيد الشعبي مروياً عند الصغار حتى الآن.
ثم بعد هذا لا نخال القول بتقدم الصنائع النفيسة والفنون الجميلة كالنقش والتزويق وعمل الفسيفساء والمقربص إلا خبراً بمعلوم. فقد رأيت ما كان بها من الاهتبال، وعليها من الإقبال، حتى أنهم لم يخلوا منها المستشفى الذي أنشيء لغير من يهمهم أمرها من المرضى، ولكن الغاية في هذا الباب هو ما عمله عبد المؤمن في تحلية المصحف العثماني الإمام. وقد كتب في ذلك وزبره ابن طفيل رسالة بديعة نرى أنفسنا مضطرين إلى نقل ما يتعلق منها بهذا الغرض. قال بعد أن استهلها ببيان كيفية وصوله إلى عبد المؤمن بطريق الهدية من أهل قرطبة بعد أن تعلقت به نفسه جد التعلق، لكنه أبى أن يسلبهم تلك الذخيرة الثمينة ويوحش أنسهم بفقده حتى جادوا به محض اختيارهم طيبة به أنفسهم:
«ثم إنهم أدام الله سبحانه تأييدهم، ووصل سعودهم، لما أرادوا من المبالغة في تعظيم المصحف المذكور واستخدام البواطن والظواهر فيما يجب له من التوقير والتعزيز، شرعوا في انتخاب كسوته، وأخذوا في اختيار حليته، وتأنقوا في استعمال أحفظته، وبالغوا في استجادة أصونته، فحشروا له الصناع المتقنين ممن كان بحضرتهم العلية، وسائر بلادهم القريبة والقصية. فاجتمع لذلك حذاق كل صناعة ومهرة كل طائفة من المهندسين والصواغين والنظامين والحلائين والنقاشين والمرصعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين ولم يبق من يوصف ببراعة، وينسب إلى الحذق في صناعة، إلا أحضر للعمل فيه، والاشتغال بمعنى من معانيه، فاشتغل أهل الحيل الهندسية بعمل أمثلة مخترعة، وأشكال مبتدعة، وضمنوها من غرائب الحركات، وخفي إمداد الأسباب المسببات، ما بلغوا فيه منتهى طاقتهم، واستفرغوا فيه جهد قوتهم. والهمة العلية أدام الله سموها تترقى فوق معارجهم، وتتخلص كالشهاب الثاقب وراء موالجهم، وتنيف على ما ظنوه الغاية القصوى من لطيف مدارجهم؛ فسلكوا من عمل هذه الأمثلة كل شعب، ورأبوا من منتشرها كل شعب وأشرفوا عند تحقيقها، وإبراز دقيقها، على كل صعب، فكانت منهم وقفة كادت لها النفوس تيأس عن مطلبها، والخواطر تكر راجعة عن خفي مذهبها، حتى أطلع الله خليفته في خلقه، وأمينه المرتضى لإقامة حقه، على وجه انقادت فيه تلك الحركات