بعد اعتياصها، وتخلصت أشكالها عن الاعتراض على أحسن وجوه خلاصها، ألقوا ذلك أيدهم الله بنصره، وأمدهم بمعونته ويسره، إلى المهندسين والصناع فقبلوه أحسن القبول، وتصوروه بأذهانهم فرأوه على مطابقة المأمول. فوقفهم حسن تنبيه ما جهلوه على طور غريب من موجبات التعظيم، وعلموا أن الفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وسيأتي بعد هذا إشارة إلى تفصيل تلك الحركات المستغربة، والأشكال المؤنقة المعجبة، مما صنع للمصحف العظيم، من الأصونة الغريبة، والأحفظة العجيبة، أنه كسي كله بصوان واحد من الذهب والفضة ذي صنائع غريبة، من ظاهره وباطنه، لا يشبه بعضها بعضاً، قد أجري فيه من ألوان الزجاج الرومي ما لم يعهد له في العصر الأول مثال ولا عمر قبله بشبهه خاطر ولا بال، وله مفاصل تجتمع إليها أجزاؤه وتلتئم، وتتناسق عجائبه وتنتظم، قد أميلت للتحرك أعطفها، وأحكم إنشاؤها على البغية وانعطافها، ونظم على صحيفته وجوانبه من فاخر الياقوت ونفيس الدر وعظيم الزمرد مسالم تزل الملوك السالفة، والقرون الخالفة، تتنافس في أفراده، وتتوارثه على مرور الزمن وترداده، وتظن العز الأقعس، والملك الأنفس، في ادخاره وإعداده، وتسمي الواحد منها بعد الواحد بالاسم العلم لشذوذه في صنعه واتحاده، فانتظم عليه منها ما شاكله زهر الكواكب في تلألئه وانقاده، وأشبهه الروض المزخرف غب سماء أقلعت عن إمداده، وأتى هذا الصوان الموصوف رائق المنظر، آخذاً بمجامع القلب والبصر، مستولياً بصورته الغريبة على جميع الصور، يدهش العقول بهاء، ويخير الألباب رواء، ويكاد يغشي الناظر تألقاً وضياء؛ فحين تمت خصاله، واستر كبت أوصاله، وحان ارتباطه بالمصحف العظيم واتصاله، رأوا أدام الله تأييدهم، وأعلى كلمتهم، مما رزقهم الله تعالى من ملاحظة الجهات، والإشراف على جميع الثنيات، أن يتلطف في وجه يكون به هذا الصوان المذكور طوراً متصلاً وطوراً منفصلاً، ويتأتى به للمصحف الشريف العظيم أن يبرز تارة للخصوص متبذلاً وتارة للعموم متجملاً، إذ معارج الناس في الاستبصار تختلف، وكل له مقام إليه ينتهي وعنده يقف، فعمل فيه على شاكلة هذا المقصد. وتلطف في تتميم هذا الغرض المعتمد، وكسي المصحف العزيز بصوان لطيف من السندس الأخضر، ذي حلية عظيمة خفيفة تلازمه في المغيب والمحضر، ورتب ترتيباً يتأتى معه أن يكسي بالصوان الأكبر، فيلتئم به التئاماً يغطي على العين من هذا الأثر. وكمل ذلك كله على أجمل الصفات وأحسنها.