وأبدع المذاهب وأتقنها، وصنع له محمل غريب الصنعة، بديع الشكل والصبغة، ذو مفاصل ينبو عن دقتها الإدراك، ويشهد بها الارتباط بين المفصلين ويصح الاشتراك، مغشي كله بضروب من الترصيع، وفنون من النقش البديع، في قطع الأبنوس والخشب الرفيع، لم تعمل قط في زمن من الأزمان، ولا انتهت قط إلى أيسره ثواقب الأذهان. مدار بصنعة قد أجريت في صفائح الذهب، وامتدت امتداد ذوائب الشهب، وصنع لذلك المحمل كرسي يحمله عند الانتقال، ويشاركه في أكثر الأحوال، مرصع مثل ترصيعه الغريب، ومشاكل له في جودة التقسيم وحسن الترتيب، وصنع لذلك كله تابوت يحتوي عليه احتواء المشكاة على أنوارها، والصدور على محفوظ أمكارها، مكعب الشكل، سام في الطول، حسن الجملة والتفصيل، بالغ ما شاء من التتميم في أوصاله والتكميل، جار مجرى المحمل في التزيين والتجميل، وله في أحد غوار به باب ركبت عليه دفتان قد أحكم إرتاجهما، ويسر بعد الإبهام انفراجهما، ولانفتاح هذا الباب وخروج الكرسي من تلقائه، وتركب المحمل عليه، ما دبرت الحركات الهندسية، وتلقيت التنبيهات القدسية، وانتظمت العجائب المعنوية والحسية، والتأمت الذخائر النفيسة والنفسية، وذلك أن بأسفل هاتين الدفتين فيصلاً فيه موضع قد أعد له مفتاح لطيف يدخل فيه. فإذا دخل ذلك المفتاح فيه وأديرت به اليد انفتح الباب بانعطاف زائدة الدفتين إلى داخل الدفتين من تلقائهما، وخرج الكرسي من ذاته بما عليه إلى أقصى غايته. وفي خلال خروج الكرسي يتحرك عليه المحمل حركة منتظمة مقترنة بحركة يأتي بها من مؤخر الكرسي زحفاً إلى مقدمه. فإذا كمثل الكرسي بالخروج وكمال المحمل بالتقدم عليه، انغلق الباب برجوع الدفتين إلى موضعهما من تلقاها دون أن يمسها أحد، وترتيب هذه الحركات الأربع على حركات المفتاح فقط دون تكلف شيء آخر. فإذا أدير المفتاح إلى خلف الجهة التي أدير إليها أولاً، انفتح أولاً الباب وأخذ الكرسي في الدخول والمحمل في التأخر عن مقدم الكرسي إلى مؤخره؛ فإذا عاد كل إلى مكانه انسد الباب بالدفتين أيضاً من تلقائه. كل ذلك يترتب على حركات المفتاح كالذي كان في حال خروجه. وصحة هذه الحركات اللطيفة على أسباب ومسببات غائبة عن الحس في باطن الكرسي، وهي مما يدق وصفها ويصعب ذكرها، أظهرتها بركات هذا الأمر السعيد، وتنبيهات سيدنا ومولانا الخليفة أدام الله تعالى أمرهم، وأعز نصرهم.»