حضراً وسفراً، وعلمنا طريقة تفكراً ونظراً، ولا يقدر على طريقته إلا من رزق فطنة كاملة الاستواء ممدة من جميع القوى الروحية والبدنية.
أما إذا أقرأ المدونة فاستمع لما يوحي: يبتدئ في المسألة من كبار أصحاب مالك، ثم ينزل طبقة طبقة حتى يصل إلى علماء الأقطار من المصريين والإفريقيين والمغاربة والأندلسيين وأئمة الإسلام وأهل الوثائق والأحكام حتى يكل السامع وينقطع عن تحصيله الطامع. وكذا إذا انتقل إلى الثانية وما بعدها، هذا بعض طريقته في المدونة. وأما إذا ارتقى الكرسي، يعني كرسي التفسير، فترى أمراً معجزاً ينتفع به من قدر له نفعه من الخاصة والعامة. يبتدئ بأذكار وأدعية مرتبة، يكررها كل صباح ومساء يحفظها الناس ويأتونها من كل فج عميق. وبعد ذلك يقرأ القارئ آية فلا يتكلم بشيء منها إلا قليلاً، ثم يفتتح فيما يناسبها من الأحاديث النبوية، وأخبار السلف وحكايات الصوفية وسير النبي وأصحابه والتابعين. ثم بعدها يرجع إلى الآية، وربما أخذ في نقل الأحاديث فيقول الحديث الأول كذا والثاني كذا والثالث كذا إلى المائة فأزيد، ثم كذلك في المائة الثانية، والشك في الثالثة».
ثم قال:«وكذلك فعل في إقرائه للعربية، فبدأ بأصحاب سيبويه، ثم نزل إلى السيرافي وشراح الكتاب وطبقات النحويين حتى على الحاضرون وكلوا. وما زال كذلك حتى ذهبوا ولم يراجع في ذلك، وقد كان قصدهم اختباره وامتحانه» أهـ. بتصرف يسير الإيضاح. وإذ قد تبينت هذه الظاهرة التي كانت غالبة على علم الفروع في هذا العصر، فإنا نقول أنها طريقة منهجية إصلاحية، اختص علماء المغرب دون غيرهم بالعمل عليها، والدعوة إليها إذ في هذا الوقت، بدأ العمل بتلك المختصرات العقيمة، وسرى هذا الداء الوبيل، داء الاختصار، إلى العلوم الإسلامية عامة، فقلل فائدتها؛ فكان علماؤنا يشددون النكير على ذلك، ويصدون الطلبة عن قراءة الكتب التي تحي بها أصحابها هذا المنحى. ويروى عن القباب أنه كان يقول إن ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب أفسدوا الفقه. ولما حج اجتمع بابن عرفة في تونس فأطلعه ابن عرفة على مختصره الفقهي، وقد شرع في تأليفه، فقال له القباب ما صنعت شيئاً، فقال ولم؟ فقال إنه لا يفهمه المبتدي، ولا يحتاج إليه المنتهي. فتغير وجه ابن عرفة حينئذ. قالوا وكان هذا هو السبب الحامل له على بسط العبارة في