أواخر مختصره. ومثل القباب في ذلك اليزناسني الفقيه الكبير، فإنه كان صاحب ابن شاس، واستشار وهذا في وضع مختصره الجواهر، فأشار عليه ألا يفعل؛ فلم يعمل ابن شاس بإشارته. وقد ألمعنا إلى الأثر السيء الذي أثرته هذه المختصرات في العلوم الإسلامية بالخصوص، وراجع الفصل التاسع والعشرين من المقالة السادسة من مقدمة ابن خلدون التعرف تأثيرها في العلوم مطلقاً، فلا ريب إذا عددنا ما اتبعه علماؤنا المغاربة في هذا العصر طريقة إصلاحية منهجية.
هذا وقد تناولنا الكلام على العلوم الإسلامية جملة، وأعطينا عليها من العبدوسي مثالاً مشتركاً. وإن ظهر أننا نخص الفقه بمزيد العناية، لأنه في الواقع كان أكثرها انتشاراً. ولو ذهبنا نعد رجاله البارزين الذين ما زالت الفتوى والأحكام منذ هذا العهد إلى الآن تدور على أقوالهم واجتهاداتهم لضاق المجال عن استيفائهم؛ ولكن ذلك كله لا يغطي على ما كان لغير الفقه من الظهور، وخاصة علم الحديث رواية ودراية، وعلم التفسير وتوابعه. فبالإضافة إلى مثال العبدوسي نذكر المحدث والرحالة الشهير ابن رشيد الفهري الذي جال في أقطار إفريقية ومصر والشام والحجاز ولقي من أعلام الرواية الجم الغفير، وأكثر من هذا الشأن، وتوسع في الأخذ وذهب في ذلك إلى أبعد غاية. وكان له تحقق بعلوم الحديث وضبط أسانيده، وتمييز رجاله، ومعرفة انقطاعه واتصاله، وألف فيه التآليف المفيدة، وحسبك برحلته الفريدة التي سماها (ملء العيبة فيما جمع بطول الغيبة، في الوجهتين الكريمتين إلى مكة وطيبة، ) المشحونة بالمسائل الحديثة والأسانيد العديدة، التي روي بها أمهات كتب هذا الفن، والأجزاء المختلفة المؤلفة فيه دليلاً على رسوخ قدمه، وكونه من الحفاظ الذين يقل لهم النظير مع كمال الثقة، وشهرة العدالة، والتمسك بالسنة والعمل بالحديث، وإن خالف ما عليه الناس مما يعزز ما قلناه في الفصل السابق من أن الحرية المذهبية لم تقيد قط في المغرب، وإن صار المذهب الرسمي فيه هو المذهب المالكي وكذلك العقيدة السلفية لم تقطع منه برغم سيادة المذهب الأشعري.
وهذا ابن حجر يقول عن صاحبنا ابن رشيد في الدرر الكامنة:«وكان على مذهب أهل الحديث في الصفات يمرها ولا يتأول، كان يسكت لدعاء الاستفتاح ويسر البسطة. . .» ومن كبار محدثي هذا العصر الرئيس عبد المهيمن الحضرمي الذي جمع إلى البراعة في الأدب والعربية