التفوق في علم الحديث حتى حلاه ابن خلدون بأمام المحدثين، وله مشيخة حافلة تحتوي على ألف شيخ، مع أنه لم تكن له رحلة، ومن ثم قال فيه المقري الكبير:«جمع فأوعى واستوعب أكثر المشاهير وما سعى، فهو المقيم الظاعن، الضارب القاطن.» ومنهم أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكرسوطي الفاسي؛ كان إلى تضلعه بالفقه، محدثاً ضابطاً عارفاً برجال السند ومراتب الحديث، يستظهر كثيراً من كتبه المطولات، وألف فيه تآليف حسنة.
ومنهم الإمام الحافظ، التاريخي أبو عبدالله محمد بن عبد الملك الأوسي الأنصاري المراكشي صاحب الذيل والتكملة، على تاريخ ابن الفرضي لعلماء الأندلس وصلة ابن بشكوال له، ومقامه في الحفظ للحديث والأخذ عن المشايخ مما لا يخفى. ومنهم الراوية النقادة أبو عبدالله محمد بن محمد بن علي العبدري الحاحي الرحالة الشهير، وسعة روايته وقوة عارضته مما يعرف بالوقوف على رحلته، ومنهم الشيخ المحدث الكبير أبو زكرياء يحيى بن أحمد السراج الفاسي. كان أيضاً رحالة، مكثر من الرواية، مقتنياً للكتب، ضابطاً لها. له سماع عظيم وفهرسة جامعة في مجلدين. إلى غير هؤلاء ممن يطول ذكرهم.
أما المفسرون فمنهم ابن العابد الفاسي الذي اختصر تفسير الكشاف للزمخشري وجرده من مسائل الاعتزال.
وابن البناء العددي الذي له موضوعات كثيرة في التفسير وحاشية على الكشاف، وأبو القاسم السلوي وله تفسير جليل، وأبو علي الشوشاوي وله كتاب الفوائد الجميلة على الآيات الجليلة، ضمنه من علوم القرآن فنوناً عديدة وجعله عشرين قسماً، كل قسم منها يحتوي على مسائل مختلفة؛ فهو من المحاولات الطيبة لجمع علوم القرآن، على غرار ما فعل البدر الزركشي في كتابه البرهان ثم السيوطي في الإتقان.
ثم فيما بقي من العلوم الشرعية مثل التصوف والكلام، لا نرى أنهما كانا منتشرين بكثرة لما علم من أن السذاجة التي تخدم مع الفقه حين تدول الدولة له، لا تجامع التصوف، وأنت قد رأيت الحرب التي قامت بين الفقه والتصوف في العصر المرابطي، إلا أن النتيجة هنا لم تكن كالنتيجة فيما سبق، فلم يقض الفقه على التصوف، ولكنه أخضعه لسلطانه. وقد يقال إن العصر بالنسبة للتصوف كان