عصر تمحيص بسبب هيمنة الفقهاء عليه، وما أحسن التصوف يسير في ظلال الفقه. إذ يكون هو لب الشريعة المكنون، وسرها المصون، وقد كان من أقطابه في هذا العصر ابن عباد الرندي الذي قضى أكثر حياته في فاس، وابن الحاج الفاسي، وأحمد زروق. وكتبهم فيه لا تزال من خير المصادر للتصوف الموزون بميزان الشرع.
ومهما تجوزنا في الكلام، وعممنا في الإحكام، لا يمكننا أن نهمل الإشارة إلى علم أصول الفقه وعلم القراءات، وما نالها في هذا العصر أيضاً من العناية الخاصة، والأول من توابع الفقه والثاني من توابع التفسير؛ فالأصول كثر دارسوه، وظهرت طبقة ممن كادوا يختصون به فوضعت فيه التآليف المهمة، وطبعته بطابع الفقه المالكي ما لم يتهيأ لغيرهم من قبل.
والقراءة ونعني بها ما يشمل التجويد والرسم والقراءات المأثورة والغريبة وتوجيهاتها، ما من أحد من صدور فقهاء هذا العصر إلا وكان له إلمام بها كلاً أو بعضاً، وقد وضعت فيها التآليف أيضاً، إلا أنها على كل حال لم تبلغ في هذا ما بلغته من الذيوع في العصر بعد هذا.
هذا ما يرجع إلى العلوم الدينية، والنشاط الذي طرأ عليها في هذا العصر، والجهود العظيمة التي بذلت في خدمتها حتى بلغت في الجملة إلى المستوى اللائق بها. فلننتقل الآن إلى علوم الأدب لننظر كيف كان سيرها في هذا العصر أيضاً. ونقول: أنها جارت سنة النشوء والارتقاء فبلغت إلى قمة المجد والكمال، وكان هذا عصرها الذهبي في المغرب، والنابغون فيها في هذا العصر كانوا أساتذة من بعدهم، بل طبقت شهرتهم العالم العربي، وما تزال ذكراه فيه حية إلى الآن. فأما النحو واللغة، فإنهما لم ينالا قط من التقدم ما نالا في هذا العصر، وذلك لأن الدولة عربية الصبغة تقدر مجهود العاملين على رفع شؤون العروبة، وليس لها التفات إلى غير ذلك مما توحي به العنصرية المتخلفة كما سبق القول، فلا عجب وقد اتحدت وجهة العمل أن ينبغ في هذين العلمين وفي سائر العلوم العربية رجال عظام ممن يفتخر بهم المغرب، ولا يقلون أبداً عن نظرائهم في بقية العالم العربي. فمن هؤلاء النوابغ ابن أجروم، وابن المجراد وابن هانئ، وابن المرحل، وأبو القاسم الشريف، والمكودي،