وسواهم، ناهيك منهم جميعاً بابن أجرُّوم، ذلك الرجل الذي استطاع أن يخلد اسمه أبد الدهر بوريقات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، لا تحتوي على تفكير عميق، ولا على فلسفة جديدة، وإنما هي قواعد أوليَّة من علم النحو، مقرّرةٌ لدى الجميع. فما السرُّ في هذا الخلود الذي أتيح لهذا الرجل، حتى لقد فتح لنفسه مجالاً بين جدران مدارس القرن العشرين, وحتى أطلق الناس اسمه على النحو كأنما هو واضعُه؟ فقالوا الأجرُّومية، وأرادوا النحو، ممّا لم ينله سيبَويه نفسُه؟ ذلك السر هو النبوغ النادر الذي أوحى إليه بمقدمته على هذا الوضع العجيب. فبينما النحو قد خضع لقوانين المنطق وأصبح دراسة عقلية عقيمة، إذ طلع ابن أجرُّوم بمقدمته التي يعرض بها أصول هذا العلم في سذاجة تشبه عقل الطفل، وترتيب يتوافق وآخر ما قرَّرته البيداغوجيَّة الحديثة في أساليب التعليم. فلا جرَم إن علا اسمُه على الأسماء وتمجَّدت ذكراه بين الخالدين. ولقد كان للتقدُّم الذي نالته هذه العلوم في هذا العصر تأثيرٌ كبيرٌ في تقويم ألسنة العامة، وتذوُّقهم لأسرار اللغة العربية. أما الخاصة فقد كان جُلُّ كلامهم إن لم نقل كله، مستقيماً يجري على الضوابط اللغوية.
وهذا الوزير عبد المهيمن الحضرمي يقولون في ترجمته إنَّ كلامه كان كلُّه معرّباً، وكذلك ابن عبد المنعم الصنهاجي السبتي من كبار اللغويّين والنحاة في هذا العصر، لم يستظهر أحدٌ في زمانه من اللغة ما استظهره كما قال ابن الخطيب عنه في الإحاطة:«وكان يعرب أبداً كلامه» وألف ابن هانئٍ اللخمي كتاباً فيما تلحن فيه العامة، فجعل اللحن خاصاً بالعامة، واستطاع أن يعُدّ هذا اللحن لما كان قليلاً، ومدح كثيرٌ من الشعراء كثيراً من زعماء القبائل المغربيّة، فكانوا يثيبونهم الثواب الجزيل بسبب تذوقهم لجمال هذه الأمداح. وحسبُك بأمداح ابن الخطيب في رئيس جبل درن أبي ثابت الهنتاني. وربما يكون حديث (اللَّظافة) الذي أثبتناه في قسم المنثور من هذا الكتاب أدلَّ من كل ما تقدَّم على تغلغل انتشار العربية وآدابها في الأمة، وشدّة الإقبال عليها من سائر الطبقات.
وكان العلامة ابن هانئ اللخمي إلى إمامته في العربية وتأليفه فيها، متضلعاً في الأدب بارع الكتابة والشعر، وألف كتاب الغرَّة الطالعة في شعراء المائة السابعة، الذي يعتبر كتاب ابن الخطيب المسمَّى بالكتيبة الكامنة في شعراء المائة الثامنة