وفي خصوص الطب نبغ أبو الحسن علي بن الشيخ الطبيب بن أبي الحسن علي العَنسي المراكشي، وربما كان ولداً أو حفيداً للرياضي الكبير الحسن المراكشي الذي سبق ذكره في العصر الموحدي لأنه اختلف في اسمه: فمنهم من ذكره باسم الحسن ومنهم من ذكره باسم أبي الحسن؛ فيكون هو جدّ هذا. وله نظمٌ من مجزوّ الرجز في الأنكحة وصفاتها وما يطلب أو يتجنب فيها، والأمراض السرية وعلاجها وطبائع النساء وما يحمد أو يذمُّ منهن، وضعه برسم خزانة السلطان أبي الحسن المريني. وربما كان مشاركاً في غير الطب من العلوم الكونية، ولكننا لم نقف له إلا على هذا الأثر. وفي الطب والكيماء القديمة والعلوم العقلية من الفلسفة والتعاليم نبغ أبو العباس أحمد بن شعيب الجزنائي الشاعر الكاتب. قال ابن خلدون:«نظمه السلطان أبو سعيد المريني في جملة الكتاب، وأجرى عليه رزق الأطباء لتقدمه فيه، فكان كاتبه وطبيبه، وكذا مع السلطان أبي الحسن بعده.»
وترجم في كتاب بُلغَة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة من مدرّس وأستاذ وطبيب سبعة أطباء فيهم امرأة قائلاً: وقد كان بسبتة في هذه الطبقة جماعة من الأطباء والشجّارين- لعله يريد العشّابين- سوى من ذكرناه، لم يبلغوا في العلم والمكانة مبلغ هؤلاء تركت ذكرهم. . فإذا كان هذا عدد الأطباء العلماء في بلدة واحدة هي سبتة، فماذا يكون عددهم في بقية المدن وخاصة العواصم كفاس ومراكش، لا شك أن هذه الطبقة من العلماء الطبيعيّين والرياضيين والفلاسفة، ضاعت تراجم الكثير منهم، وضاعت بالتالي أعمالهم العلمية من كتب ونظريات وتجارب. ومعالم الحضارة المغربية الباقية عن هذا العصر وغيره من العصور تنطق بأنها حضارة مبنية على أسس علمية وفنية متينة. ولئن كان ملوك بني مرين قد قصّروا في حماية علم الفلسفة ومد اليد إلى علماء الطبيعيات كما فعل ملوك الموحدين؛ فإنهم ناصروا الفنون الجميلة، وأخذوا بضبعها بما كان لهم من ذوق فني جميل حتى نهضت نهضتها الكبرى، ولا سيما فن العمارة والنقش والزخرفة وما إليها من الصناعات التي بلغت في هذا العصر أوج الكمال. وقد بقيت شواهد ذلك ماثلة للعيان في مباني الملوك المرينيّين من مثل مدرسة العطّارين والصفّارين والبوعنانيّة والأندلس بفاس، ومدرسة فاس الجديدة ومدارس مكناس وسلا ومراكش وغير المدارس من المساجد والزوايا والرُّبُط والقناطر وسقايات الماء في هذه المدن وغيرها