عرب المغرب، ولعل الغباري الذي تحمل اسمه هو مخترعها، وأقدم نص رأيناه ذكرها بهذا الاسم كتاب لابن الياسمين تقدم ذكره في العصر الموحدي. ونحن إنما أشرنا إليها هنا على سبيل جمع النظائر، فهي والخط المغربي مما تتشخص به الثقافة العربية في هذه البلاد، وللقول بأن هناك أرقاماً أخرى كانت تستعمل عند الموثقين خاصة في قسم التركات وحساب المخارجات؛ وربما استعملت في المحاسبات العادية وترقيم صفحات الكتب، ويقال لها القلم الفارسي. ولئن لم نجزم بأن حرف الغبار من اختراع أهل المغرب فلا نشك في أن القلم الفاسي من ابتكار المغاربة وأهل فاس بالخصوص وهو لذلك يشبه الخط المغربي في أشكاله الهندسية ويسايره في جمال الوضع وحسن الهندام. ويقال إنه مأخوذ من القلم الرومي القديم، ذكره الشيخ أحمد سكيرج في تآليف له في صفة أشكال القلم الفاسي. على أن القلم الرومي نفسه يشبه في بعض أشكاله الخط المغربي، فأمره مشكل. ونظن أنه دخله أيضاً تحوير ليحصل الانسجام بينه وبين الكتابة العربية للعلم بأن الأرقام الرومانية كانت من الكثافة بحيث تركها أهلها لحرف الغبار.
والذين ألّفوا في القلم الرومي ممن اطلعنا عليهم العلامة أبي عبدالله محمد ابن أحمد الصباغ لم يذكروا شيئاً عن كيفية اقتباسه وإنما كان وكدهم أن يطبقوه على العمليات الحسابية المعروفة والمعدودات المغربية من الرطل والأوقية والمثقال وما إلى ذلك.
والخلاصة أننا بإزاء ثلاثة أنواع من الأرقام:(الغباري) وهو الشائع المأخوذ به في عموم الأعمال ومن جميع الطبقات (والفاسي) وكان خاصاً ببعض الأعمال وبعض الطبقات (والرومي) وقد انقرض قديماً وخلفه الفاسي. والموضوع بحاجة إلى دراسة فنية من بعض فوائدها الوقوف على ما كان لأسلافنا رحمهم الله من رسوخ في العلوم الرياضية وابتكار في أساليبها ونظرياتها.
وفي أعقاب هذا العصر وبالضبط في أيام السلطان محمد بن عبد الرحمن أسست المطبعة الحجرية بفاس وجعلت تخرج كتب العلم القيمة بخطوط ممتازة وتصحيح كامل، وهي التي ما تزال لحد الآن قيد البصر وبهجة النظر تتنافس فيها الناس، ويكفي أن يقول الشخص أن هذا الكتاب مطبوع بالمطبعة المحمدية ليصبح علق مضنة وذخيرة من ذخائر الخزائن العلمية المعدودة.