للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتصاون والنوافل والصدقات وأعمال البر، تحفظ جملة وافرة من الشعر ومدحها الشعراء وأثنوا عليها كثيراً. ومثلها أختها حواء.

وإن ننس لا ننس جامع ابن يوسف وهو بمراكش مثل القرويين بفاس، فهو من منشآت هذا العصر. ومنذ بناه علي بن يوسف لم يزل المركز الثاني للدراسات العلمية والأدبية بالمغرب. على أن القرويين لم تفتأ تحاط بالعناية الكاملة من الزيادة فيها كلها ضاقت أرجاؤها، وتجديد معالمها التي يتسور إليها الدثور. وقد نقض بناؤها في أيام علي بن يوسف وعمل على توسعتها من جميع الجهات فبلغت بلاطاتها من الصحن إلى القبلة عشر بلاطات (١). واحتفل في عمل القبة التي بأعلى المحراب وما يحاذيها من وسط البلاطين المتصلين بها فصنع ذلك بالجص المقربص الفاخر الصنعة، ونقشت واجهة المحراب بالنقوش المذهبة الجميلة، وركب في شمسياته أنواع الزجاج الملون البديع، إلى غير ذلك من فنون الزخرفة وضروب الزينة. وكان كل ما أنفق في ذلك من تبرعات المحسنين، إذ لم يزل هذا المسجد العظيم منذ تأسيسه من الشعب وإليه، وذلك هو سر عظمته الخالدة. لكن الذي يلفت الأنظار من اهتمام الدولة بالقرويين وتعزيز مركزها كمعهد دراسي عال هو بناء المدارس التي تتخذ لإيواء الطلبة وتدريس بعض العلوم التي يكون المسجد غير مناسب لتدريسها بسبب ما تقتضيه من إجراء بعض التجربات واستعمال بعض الآلات. وقد بدأ ذلك في هذا العصر إذ ثبت أنه كانت هناك بفاس مدرسة من بناء يوسف بن تاشفين تعرف بمدرسة الصابرين ومن الجائز أن يكون هناك غيرها. والغريب هو أن يتوافق المغرب والمشرق في وقت إنشاء المدارس، لأن هذا التاريخ هو الذي أنشأ فيه الوزير نظام الملك مدرسته العلمية ببغداد وهي أول مدرسة في الشرق كذلك.

ويطول بنا تتبع الجزئيات التي تدل على اهتمام الأمراء المرابطين بنهضة العلم والأدب مع أنها تفاريق قليلة خلصت من الإهمال الذي أصاب تاريخ هذه الدولة ونجدها مبثوثة هنا وهناك. ولو وصل إلينا تاريخ ابن الصيرفي الذي سبق نقل ابن الأبار عنه لكان فيه شفاء للنفس من هذه الناحية؛ وكان ابن الصير في هذا واسمه أبو


(١) بلاطات المسجد في إطلاق المغاربة هي رواقاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>