الكمال ويسعى إليه المدرسة يقصد منها بحسب الوضع أمران التعليم والتربية فبالأول يكون الإنسان عالماً مطلق الفكر، لا تعتقد نفسه بنهاية للكمال، يطلب التقدم ما وجد إليه سبيلاً وبالثانية يكون شريف النفس، مهذب الأخلاق، يطلب ما ينفع ويبتعد عما يضره، ويعامل الناس بما يجب أن يعاملوه العلم وحده مجرداً عن الأخلاق يشقي صاحبه أو لا ينفعه ويكون به ممقوتاً بين النسا، فلا يغني عنه علمه شيئاً، خل عنك ما يحدثه من الضرر يوم ينبث صاحبه بين أفراد الأمة ويسعى باسم الإصلاح والإرشاد فمهما تصورت من الأضرار في الأخلاق من جانب الجهل فتصور مثله أيضاً من جانب التعليم الخالي عن الأخلاق وإحيائها إذ لولا فساد الأخلاق لما رأيت الفسق والفحش على مرأى من الأبصار، لولا فساد أخلاق لما رأيت الكذب وهو الصفة الوحيدة في الدلالة على الدنائة فاشياً بين طبقات الناس، لولا فساد الأخلاق لما رأيت الغيبة والبهتان والمداهنة والتعبير والتحقير وتزكية النفس والتكلم بما لا يعني والتنابز بالألقاب والظلم والعجب وقطع رحم الأهل وقطع رحم الوطن وغير ذلك أوصافاً لنا لا تفارقنا ولا نفارقها لولا فساد الخلاق لما رأيت العجلة وسرعة الحكم على الأمور من غير ترو ذائعاً بين رجال الطبقة العليا ومن يؤمل منهم خدمة الوطن لولا فساد الأخلاق لما رأيت منا من يهجر لغة دينه وقومه ويقبل على تعلم لغة أجنبية ليس بينه وبينها صلة ولا نسب، لولا فساد الأخلاق لما رأيت المئات من شبان مدارسنا عاكفين على مسارح الرقص والخلاعة وسائر الموبقات لما رأيتهم يتبرجون تبرج العانيات، ويتثنون تثني الراقصات لما رأيتهم يقلدون الغربيين في الضار من أقوالهم وأفعالهم، لما رأيتهم يدعون الحلف بالله تعالى إلى الحلف بالوجدان، لما رأيتهم يجهلون سيرة سيد الوجود ومن قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن بعده من سلف الأمة ويعلمون سيرة نابليون وغيره من ملوك الإفرنجة، لما رأيتهم يؤثرون الحكم الغربية على الحكم العربية، لما رأيتهم يهملون التحية الإسلامية ويحيون بالتحية الأوربية.
رأينا أكثر دروس هذه المدارس فلم نر فيها وياللأسف درساً للأخلاق ولا بحثاً للآداب، كأن أمر الأخلاق ليس بالكبير الفائدة، وليست ناشئتنا بحاجة إليه أو كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليتمم مكارم الأخلاق. يخ يخ اهتمام يحسدنا عليه الأخلاقيون، واعتناء يعجب منه الحكماء الراسخون، جهلنا حقيقة مكارم الأخلاق وما يترتب عليها من الفوائد العامة