للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدين جديد جاء أمة معينة إنما هو الدين الذي أوحاه الله إلى جميع رسله فحرفه أتباعهم ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أخيراً لإحداث إصلاح ديني عام لسائر الملل شرقيها وغربيها. بعث الله به رسوله حين تعارف الأمم واتصالها ليكون دينها العام الذي عليه يتم اتحادها ويصفو لديه تعارفها. ولذلك جعل قاعدته الإيمان بسائر رسل الله من نعرف أسماءهم ومن لا نعرف أسماءهم وبجميع كتب الله بأي لغة كانت كما سيمر معك تفصيلاً. فهم هذا الأمر الخطير يفيد المسلم وغير المسلم. فيفيد المسلم لأنه يريه أنه تابع لدين من ضمن الأديان المنعزلة المتعادية ولكن للدين الأصلي الجامع لسائر الأديان. فهو بهذا الاعتبار يجد في نفسه قيمة لم يحس فيها من قبل لأنه يرى نفسه رجلاً عاماً لا خاصاً متبعاً ديناً هو في نفسه دين وجامع أرواح الكل في أكمل شكل وأجمل حال. فمن كان كذلك فلا يتحامل على الأديان لأنه أمر بأن يؤمن بها كلها وأن يكون منها بالمركز الوسط مكتفياً بما في كتابه من خلاصاتها ومن أدرك من الناس مقامه في هذا المركز الأوسط العام وشعر أنه في مجمع أميال الأمم وفي نقطة تلاقي مرامها واتحاد أفئدتها في يوم من الأيام فلا يهون على نفسه أن يميل عنه إلى نقطة متطرفة ولو سيق إليها بقوة قاهرة.

أما فائدة غير المسلم في فهم هذا الأمر الجلل فهو لأنه يسهل عليه المخرج من ورطته والخلاص من شكوكه وشبهه. فإنه ما من عاقل من عقلاء الأمم الأخرى إلا وشعر بأن أيدي الخرافات قد امتدت إلى أصول عقائده فيجد نفسه مضطراً للتأفف منها راجياً إصلاحها على أي حال كان. فلو علم أن الإسلام إنما جاء بالإصلاح العام لسائر الأديان البشرية لا أنه دين منعزل مثل سائرها لكان التفاته إليه يشبه الأمر الاضطراري لأنه كلما آلمه أمر مما يكرهه في دينه وظنه محرفاً عن أصله نزع إلى ذلك الدين الإصلاحي مضطراً لا مختاراً ولا يزال يدفع ويندفع حتى يقع في دائرته.

لهذا جعلنا غرضنا من هذه الرسالة تجلية هذا الأمر الخطير في أظهر أشكاله تاركين الدلالة على فضائل الإسلام لغيرنا ممن في المؤتمر خوفاً من أن لا يلتفت لهذه النقطة واحد منهم.

هذه النقطة التي حاولت تجليتها في هذه الرسالة هي أظهر ما في القرآن من خصائص الإسلام وهي السبب الأكبر في تهالك الأمم على هذا الدين في كل جيل لأن الأمم وإن لم تدرك هذا السر علماً إلا أنها تحس به وتلمسه في الإسلام فترة فيه صورة عقائدها مصححة

<<  <  ج: ص:  >  >>