منقحة خالصة مما يثير الشكوك والشبه فتميل إليها بأرواحها وتنقلب أشد تعصباًُ لها من أهلها. ولا توجد هذه الخصيصة في أي دين من الأديان لأن هذا المركز الوسط ليس لواحد منها ولم يشرع منها لأن يكون ديناً عاماً أصلاً فتراها كلها بما طرأ عليها من التحريف على أطراف متناقضة لا محل للتوفيق بينها بوجه من الوجوه مثال ذلك: البوذي لا يهون عليك أن يكون نصرانياً (ولا حكم للنادر) لأنه لا محل للصلح بين البوذية والنصرانية بوجه ما. فالنصراني يقول أن عيسى كلمة الله وهو الأقنوم الثاني بعد الأب تجسد وعاش بين الناس وصلب ليفتدي العالم كله من خطيئة كان ارتكبها آدم في أول الخليقة ويعتقد البوذي أن الإله (فيشنو) هو أد أركان التثليت الهندي قد تجسد مراراً لتخليص العالم من الشرور وقد تجسد أخيراً في بوذا للمرة التاسعة فكيف يمكن التوفيق بين صاحبي هاتين العقيدتين وبأي مرجح يقبل أحدهما عقيدة الآخر ويترك عقيدته التي جمد عليها طول عمره.
ثم لا يمكن أن يكون البوذي يهودياً لأن التوراة موجهة الخطاب إلى بني إسرائيل ورافعة إياهم على سائر الأمم وليس في نصوصها ما يسمح بوضع بوذا الذي يجله مئات الملايين من الآسيويين منذ أكثر من ألفي سنة في موضع إجلال واحترام فيعز على البوذي أن يركب في تسفيه رأي أسلافه كلهم هذا المركب ثم لا يستطيع النصراني أن يكون بوذياً ولا يهودياً لعدم وجود محل للصلح في واحد من هذين الدينين بالنسبة له ولكن جميعهم يستطيعون أن يسلموا بلا حرج لأن قاعدة دين الإسلام هي الإيمان بسائر الأنبياء ومؤسسي الأديان ممن نعلمهم ومن لا نعلمهم قال تعالى عن الأنبياء (وإن من أمه إلا خلا فيها نذير) وقال تعالى منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك فيرى البوذي أن الإسلام لا ينكر عليه فضل بوذا بصفته مؤسس ديانة كبيرة وفي نصوصه ما يسمح بحسبانه من الرسل العظام ويرى النصراني أن الإسلام يذكر عيسى بالتبجيل والاحترام ويضعه في مصاف الرسل الكرام وكذلك يرى اليهودي فيما يختص بموسى عليه الصلاة والسلام. فيسهل على الجميع الاجتماع على هذا الدين بلا بكير حرج ولا سيما إن أدركوا أنه جمع العقائد كلها بعد تنقيحا وجعلها كلها ديناً واحداً لأنها كانت كذلك في مبدئها (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاء العلم بغياً بينهم) لهذا السبب تهالكت الأمم على الإسلام