بعض العلم عندنا وأجحده أهله فما هذا أردت ولا إليه ذهبت وإنما أقول أن قليلاً من العلماء ومثلهم من الفقهاء وأقل منهم من المحدثين لقليل في بلد كدمشق كان يقال عنها أنها مهد العلم ومرعاه الخصيب.
ثم أخاف أيضاًُ أن نفجع بهم ولا مناص من ذلك فيدرج علمهم معهم وهكذا يذهب العلم بذهاب أوعيته قال سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه مالي أرى علماءكم يموتون وجهالكم لا يتعلمون لقد خشيت أن يذهب الأول ولا يتعلم الآخر مالي اراكم شباعاً من الطعام جياعاً من العلم تعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفعه موت العلماء وقال ابن عباس رحمه الله لما مات زيد بن ثابت من سره أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه.
فيا بقية علماء دمشق بل يا علماء جزيرة العرب بل يا علماء المسلمين كافة أيسركم هذا المنظر الأخير في العالم الإسلامي وطروء هذا الاضمحلال والسقوط عليه؟ أيروق لكم أن يعبث بكم وبهذا الين الخالص قوم جعلوا اسم الدين قنطرة يجوزون عليها إلى ما يشتهون؟ أيروق لكم أن يمثل زعاماتكم أناس حشو إهابهم الجهل غايتهم الوحيدة إسقاطكم حتى يخلو لهم الجو فيصفرون وينقرون.
أيروق لكم أن تطلى هذه الجوهرة الغالية بهذا الظلام الحالك والسواد القاتم حتى يحتجب بقية ضوئها ويسدل عليه سجف الظلام الكثيف بعدما أضاءت منها المسكونة مائة قرن أو أكثر؟
أما يغضبكم ويأجج نار حميتكم تصدر أهل الجهالة والغواية يعيثون في الأرض ضلالاً وتضليلاً حتى استضعف جانب الإسلام العدو الممازق وصار يجوس خلال ديارنا بإرسال الوفود تلو الوفود من المبشرين ودعاة النصرانية وتزيدهم وإياهم بالتعاليم المسحية وبذلهم الغالي والثمين في سيبل نشر دينهم حتى دخلوا المدن والقرى وناجزونا في مقر دورنا وبين مساكننا يلقون الشبهة تلو الشبهة على الدين الإسلامية (والمتصدرون الرسميون) لاهون ساهون أسكرتهم خمرة مجد البيوت وسؤدد شرفها على أن يفقهوا حديثاً وسرت في عروقهم نشوة الخيلاء والادعاء الباطل فلا يأبهون لذلك كله يعتقدون في أنفسهم الكمال والتكميل ولو طرحت عليهم شبهة من هذه الشبه أو سؤالاً تدرسه الصبية في كتاتيبهم لوجموا مذعورين ولجالوا جولة الحمر بجللها.