بل ماذا يكون الخطب الشديد والكرب المزيد فيمن رضي لنفسه أن يضع كلام الله هذا الموضع وقد قال صلى الله عليه وسلم فيمن إثمه أقل وحمله أخف اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل العشق ولحون أهل الكتابين وسيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم بل الحالة في هذه الآلة أشد حرمة من قراءة القرآن على ضرب الدفوف وقرع الطبول وتحريك الأوتار والنقر بالأنامل والنفخ بالأبواق بل إذا كانت العلة في تحريم مس المصحف على المحدث ولو بصدره ولسانه وشعره وظفره أنه إخلال بجلالته وخروج عن تعظيمه وتهجم عل مقامه فكيف لا تكون القراءة في هذه الآلة من أشد أنواع التحقير والإهانة بل إذا كان مس ورقه وجلده ولو منفصلاً حراماً على المحدث فماذا تكون جريمة من ينزل به إلى هذه المنزلة بل إذا كان تعليمه للكافر المعاند وغير المعاند إن لم يرج إسلامه ممنوعاً كما منع السفر به إلى بلاد الكفر إن خيف وقوعه في أيديهم فكيف لا يمنع القارئ من قذفه في هذه الآلة فماً لفم الكافر يحمله والساخر يسمعه إذ أنه إنما دخل فيها الفاظاً ذات مقاطع ومقالع تحملها الأنفاس وتحفظها الآلة وهذا عينه هو القرآن الممنوع قراءته على الجنب إلا بقصد الذكر بل حديث من أحدث في أمرنا ما ليس منه رد كاف في البيان بل نفس هذه الآلة من شعار الفجار والكفار والتشبه بهم حرام وقد قال السند الأعظم صلى الله عليه وسلم (من تشبه بقوم فهو منهم) بل إذا فرضت أنه لا تشبه فيها بهؤلاء ولا هؤلاء فافرض أنها من الشبهات والشبهات حرام عند أكثر العلماء روى البخاري والنسائي (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان والمعاصي حمى الله ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه وبعد هذا كله فاعلم أنه يجب على كل مكلف تمكن من إنكاره بيده أو لسانه أو قلبه أو استعانة بسواه وهنا ننصح القراء أن لا يصلوا بالقرآن إلى هذا الحد فالدنيا زائلة والذنوب حاضرة والحجة قائمة وإنما يقبل النصيحة من وفق.
(الجواب عن سماع القرآن الكريم من الفونغراف)
ما تقدم كله إجمالاً وتفصيلاً ينبئك بشدة الخطر وعظيم الذنب وجراءة القلب وانتهاك