ما بيننا يوم الفخار تفاوت ... أبداً كلانا في المعالي معرق
إلا الخلافة قلدتك فإنني ... أنا عاطل عنها وأنت مطوق
مضى لنا مع الشرف والشريف مجلس أنس يحاكي نسيم الأسحار إذا جاءت متضمخة بنفحات الأزهار ولكننا مررنا عند إيابنا بامرأة جالسة بقارعة الطريق والناس ملتفة حولها وهي تتلو القرآن بصوت رخيم.
أخذ مني الأسف مأخذه لما قدمت على المعهد الأزهري حين طويت منه محاضر الدروس وبرز أساتذته العظام لقضاء أمد الراحة الصيفية في أماكن الرياضة ومهاب النسيم ولم يتفق لي أن أشاهد محضرة درس بهذا الجامع العظيم وأنبأني التلامذة بأن سائر دروس الجامع معطلة ولا يقرأ به في هذه الأيام ولو درساً واحداً.
سافرت صباح يوم الأحد إلى برت سعيد ومررنا على جانب من فتحة السويس التي وصلت البحر الأحمر بالبحر الأبيض وحق لي عنهدما بلغت إلى مجمع هذين البحرين أن أذكر بيتين كان العلامة البليغ صاحبنا الشيخ السيد محمد الطاهر بن عاشور قد أرسلهما إلي في بطاقة يدعوني بها إلى زيارته حيث حل بحضرته إثنان من أولي العلم والأدب وهما:
تألقت الآداب كالبدر في السحر ... وقد لفظ البحران من موجها لدرر
فما لي أرى منطيقها الآن غائباً ... وفي مجمع البحرين لا يفقد الخضر
شأن القرآن في سرد القصص وضربها أمثلة الاكتفاء لماله مدخل في الموعظة والاعتبار فتجده في الغالب لا يصرح بأسماء الأماكن التي تجري فيها الوقائع كقصة ملاقاة موسى للخضر عليهما السلام فإنه لم يعين المراد بمجمع البحرين حيث لا ينبني على التعيين فائدة في الإرشاد لأن الحكمة من مساق هذه القصة التذكير بما اشتملت عليه من المحامد والآداب كسفر العالم للازدياد من العلم وتكبده المشاق في السير له ولو بعدت المسافة سنين فإن موسى عليه السلام يقول (أو أمضي حقباً) والإيماء إلى أن التوكل اعتماد القلب على الله لا في نكث اليد من الأسباب فإنه عليه السلام حمل معه الزاد ودل على هذا بقوله (آتنا غدائنا) إلى غير هذا من الفوائد ولكن بعض المفسرين كثيراً ما يسردون أقوالاً في أسماء ما جاء مبهماً في القرآن كاختلافهم هنا في المراد من البحرين فقيل هو بحر فارس والروم وقيل بحر القلزم وبحر الأردن ومجمع البحرين عند طنجة أو بأفريقيا وقيل هو بحر الأندلس