للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

معاشر الإسلام: إن العقل ليندهش وأن النفس لتحتار وإن العين لتحمد وأن اللسان يلجم من هذا المشهد المزعج الذي تجلى على العالم الإسلامي ذلك العالم الذي كان تميل الدنيا حيث يميل وتضطرب حيث يضطرب وتسكن حيث يسكن.

ذلك العالم الذي مثل في البشر الحكمة. مثل فيه العلم. مثل فيه الطهارة. مثل فيه العدل. مثل فيه الشهامة والمرؤة وإباء الضم. مثل فيه عزة النفس. مثل فيه الشجاعة. مثل الاتحاد. مثل الاستعداد والتيقظ. مثل الجود وبذل المال والنفس في إعلاء شأن الدين والملة والوطن.

ما هذا الانقلاب المهول الذي نزل به؟ ما هذا المنظر الأسيف المحزن الذي غشيه. أن النفوس لصعق من هذا التجلي الجلالي وإن الأكباد لثتفثت والعيون لتسيل دماً أسفاً وحزناً عليه وأن فلاسفة العمران لتقف محتارة في سببه وتشخيص الداء الذي أصيب به وأصابه الدواء الشافي له. ولكن الجواب عن ذلك عندكم يا أمة الإسلام مسطور والداء مشخص والدواء موصوف قبل ألف وثلثمائة سنة ونيف وأنتم عنه غافلون أو متغافلون أما الجواب فقد أخبركم به من لا ينطق عن الهوى بقوله (يوشك أن تداعى عليكم المم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها قال قائل ومن قلة ذلك يا رسول الله قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من قلوب عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت).

أي أمة محمد! لقد تحقق وحي نبيكم صلى الله عليه وسلم بكل معناه فيكم وها أنتم متهافتة عليكم الأمم تهافت الجياع على القصاع.

وهاأنتم بعدما كانت عداؤكم باسمكم يسكتون صبيانهم وبذكر كم ترتعد فرائص ملوكهم وتنذهل قلوب صناديدهم. قد نزعت مهابتكم من قلوبهم واستبدلت بهذه الدرجة من الاستخفاف بكم والتهاون بيضتكم وجامعتكم.

أي أمة الإسلام! هاأنتم بعدما كنتم مثال الشهامة والشجاعة والفتوة والأعراض عن زخارف الدنيا وسفاسفها والاشتغال بالجديات وبذل النفس والمال في سبيل الله والدفاع عن بيضتكم وإعلاء شأنها واستعذاب الموت دون ذلك.

حل بكم حب الدنيا والانهماك في لذائذها السافلة والانغماس في شهواتها القتالة وكراهية