هذه شذرة مما ظهر في ليلة ولادته من الآيات فضلاً عما رأت أمه في حمله وقبيل ولاده وحليمة في زمن إرضاعه وقريش في عام ولادته وغير ذلك ويحسن بنا أن نأتي على خلاصة الأحوال التي كانت سائدة على العالم قبيل بعثته ليقابل القارئ بينها وبين ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الدين الحق والأخلاق الكاملة والمدنية الصحيحة وما عرجت إليه أمته من صروح العز والمدنية ويعلم أنه هو وحده كان سبباً في بلوغها ذروة المجد والتقدم والفلاح.
كان أكثر الأمم قبل الإسلام خاضعاً لدولتين دول العرب في الشرق ودولة الرومان في الغرب، وكان بينهما من الضغائن والأحقاد ما جعل همهما سفك الدماء وإنهاك القوى وبذلك شقيت أمتهما واستولى عليها ضروب من الفقر والذل والخوف على الأرواح والأموال.
وكانت العرب قبائل بعيدين عن مناحي المدينة وليسوا على شيء من الدين ليهذب أخلاقهم ويشذب من طباعهم فكانوا يسجدون للأصنام ويستقسمون بالأزلام وكان بأسهم بينهم فتراهم في جلاد مستمر وكفاح دائم حتى أنهم كانوا يقتتلون عشرات من السنين لأجل سبق فرس أوهجو شاعر إلى غير ذلك من مفاسد الأخلاق ومساوئ الصفات.
جاء هذا الرسول الكريم ودعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجاهد في سبيله غير هياب ولا وكل وقام بنصرته نفر ممن كتب لهم السبق في الإسلام فاحرزوا في عشرة سنين ما تعجز عنه الملوك والأقيال في آلاف من السنين رحمة من الله للبشر حيث أراد أن ينقلهم من غاية الشقاء إلى السعادة ومن يدقق في البحث يرى أن تلك الأمم التي كانت قبل البعثة المحمدية رازحة تحت كلاكل الجهل فاقدة لجميع الروابط الاجتماعية.
لا يمكنها في سنين قليلة أن تظهر بذلك المظهر المهيب الذي أدهش العالم بأسره، وزعزع أركان القياصرة والأكاسرة لولا أن العناية الإلهية أمدت هذا المجدد العظيم بالنصر والتسديد واللفز والتوفيق قال علي كرم الله وجهه من خطبة.
أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظ من الحروب، والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها لجيفة،