للسكوت والآفة فليس كلامه يشبه كلام غيره كما أن وجوده تعالى ليس مشابهاً لوجود غيره إذ لا مشابهة بين صفات الباري وصفات مخلوقاته ثم إذا عبرت عن هذه الصفة بالعربية فقرآن وبالعبرانية فتوراة وبالسريانية فإنجيل والاختلاف في العبارات دون المسمى فالتلاوة والقراءة والكتبة حادثة والمتلو والمقروء والمكتوب قديم أي ما دلت عليه القراءة والكتابة والتلاوة كما إذ ذكر الله تعالى بالسنة متعددة ولغات مختلفة فإن الذكر حادث والمذكور قديم.
وهو صفة واحدة لا تعدد فيها لكن له أقسام اعتبارية فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة أمر ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا نهي ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا خبر وبأن الطائع له الجنة وعدوان العاصي يدخل النار وعيد وهكذا.
والعمدة في الاستدلال على ثبوت الكلام له عز وجل الدليل النقلي قال تعالى (وكلم الله موسى تكليماً) والأصل في الإطلاق الحقيقة وقد ثبت أن الرسل عليهم الصلاة والسلام حسبما تواتر النقل عنهم كانوا ينسبون إليه الكلام فيقولون أمر بكذا ونهى عن كذا ولا شك أن الأمر والنهي من أقسام الكلام ويؤيد ذلك البرهان العقلي وهو أنه لو لم يتصف بهذه الصفة لاتصف بضدها وهو نقص والنقص عليه محال.
ولا شبهة في أن القرآن العظيم كلام الله وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن ومع ذلك ليس حالاً فيها بل هو معنى قديم قائم بذاته يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالنظم المخيل في الذهن ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفا وبيان ذلك أن الشيء يكون له وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في العبارة ووجود في الكتابة فالكتابة تدل على العبارة وهي تدل على ما في الأذهان وهو يدل على ما في الأعيان (أي نفس الأمر) فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كما قولنا القرآن غير مخلوق فالمراد منه حقيقته الموجودة في نفس الأمر وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به الألفاظ المنطوقة والمسموعة كما في ذلك قولك قرأت نصف القرآن والمخيلة كما في قولك حفظت القرآن والأشكال المنقوشة كما في قولك يحرم على المحدث مس القرآن.
فتبين أن القرآن المجيد كلام الله وأنه يطلق على معنيين أحدهما المعنى القائم بالذات