المقدسة وهذا ليس بحرف ولا صوت الثاني على اللفظ المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلاً متواتراً بمعنى أنه تعالى أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وعلى المعنى الثاني يحمل قول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى) وحيث أن القرآن يطلق على المعنى (القائم بذاته تعالى وعلى الذي نقرأه ونتعبد بتلاوته يمتنع أن يقال القرآن مخلوق لئلا يتبادر إلى الذهن المعنى الأول.
ولذلك امتنعت الأئمة الكرام كالإمام أحمد بن حنبل وسفيان وأصحاب الحديث عن القول بخلق القرآن مع أنهم كانوا من أكثر الناس علماً وأغزرهم فهماً وأكملهم عقلاً وزجروا أصحابهم في الخوض في ذلك لدقته وغموضه إذ غالب الناس لا يتفطنون للفرق بين المقروء والقرآن فخافوا من تسلط الشبيه والشكوك على أفئدتهم وتزلزل أركان عقائدهم فأمروهم بمحافظة الأمر الظاهر من غير بحث عن المعنى الحقيقي لأنه آثر في الوقاية من غوائل الزيغ وأحفظ من هبوب عواصف النزغات ولا مرية أن في ذلك مصلحة عظيمة وفائدة جليلة لصيانة العقيدة وسلامة الفطرة وأما الأئمة رضي الله عنهم فمحال أن يخفى عليهم التحقيق في هذه المسألة وبيان التفصيل فيها.
المتشابهات
قد ورد في القرآن العظيم كثير من المتشابه كإثبات الوجه له تعالى واليد والعين والاستواء ونحوها وقد اتفقت الرواة وتواترت الأخبار أن القرآن أنزل في عصر أرقى الأعصار عند العرب وأغزرها مادة في الفصاحة وأنه الممتاز بوفرة رجال البلاغة وسلاطين الخطاب وأنفس ما كانت العرب تتنافس فيه ثمار العقل ونتائج الذكاء والفطنة ومع ذلك لم يشتهر عنهم الاختلاف في معانيها فكانت الصحابة والسلف الصالح يؤمنون بها مع التفويض والتنزيه ثم لما ظهرت البدع وانتشرت الفتن في الدين بعد عصر الثلاثمائة وانقرضت الصحابة والتابعون كثر الكلام في الأوصاف بين أهل الإسلام ولم يرضوا مذهب السلف في صرف اللفظ عن ظاهره والتوقف عن تعيين المعنى المراد وذهبوا في رأيهم كل مذهب. . عمدت طائفة من أهل السنة إلى تأويل المتشابه وصرفه عن ظاهره المتبادر إلينا لئلا يحتج المبتدعة على مذاهبهم الفاسدة فكان تأويلهم ليدفعوا حجج الخصوم فيما استدلوا