الملاذ ومالوا للسرف والبذخ كما قال العلامة في مقدمته_أما الأخلاق الفاسدة فهي عندي على قسمين منها ما يكون له علاقة كبرى بالوسط الذي تعيش فيه المرأة مثل الكذب والافتراء وشهادة الزور والاحتيال والغش والسرقة والخيانة ومنها ما يتعلق بالشخص ويكون له علاقة أيضاً بالمجتمع الإنساني مثل معاقرة الخمر والاشتغال بالميسر والسفاح وغير ذلك من ارتكاب المنكرات. ثم من المعلوم المقرر أن الفضيلة في حد ذاتها فضيلة والرذيلة كذلك بيد أن قبح الشيء وحسنه يتوقفان على الألفة والعادة فالغريبون ألفوا مثلا معاقرة الخمر واعتادوا الاشتغال بالميسر وولعوا بالسفاح والفحش ولذلك لا يرون هذا العمل قبيحاً ولربما كان عندهم حسنا أما الشرق فيعده عملا قبيحا للغاية. وفي الغرب أيضاً يستأجرون الناس للافتراش إلى أمد معلوم بأجرة معلومة ولا يعدونه قبيحاً بل يعدونه من دواعي التمدن والمرأة هناك تزاحم الرجل في الملاهي والمسارح وتكاتفه وتخاصره فوق مسارح الرقص ولا يعيبها ذلك إلى غير هذا من العادات والأخلاق التي يضيق عن وسعها الطرش وتعد في الغرب من دواعي التمدن ونتائج الحضارة والعمران على أنها قبيحة جداً في نظر الشرقيين.
ينتج معنا من هذه المقدمات أن التمدن يفسد بعض الأخلاق كما يصلح بعضها ففي البلاد الراقية يقولون أنه يقل الكذب والزور والخيانة والغش والخداع وتكثر أضدادها سيما احترام الشعور والعواطف ومراعاة سنن الاجتماع وحفظ آداب المعاشرة وبالجملة يقوم القانون المدني هناك مقام النواميس الشرعية وتقل العناية بأمر الدين ويندر الالتفات إليه. ثم يكثر هناك الفسق وإدمان الخمر والميسر وتزيد الخلاعة في النساء. يزيد بذخهن وتبرجهن ويكثر التردد على الملاهي والانغماس في الشهوات النفسانية أما البلاد التي قسطها من ذلك التمدن قليل فإنك ترى القضية فيها معكوسة نعم تكثر في هذه البلاد الشرور وتفسد الأخلاق التي لها علاقة كبرى كما قلنا بالمجتمع الإنساني ولكن يقل فيها الانهماك والميل للسرف والبذخ وسببه فقدان الوسائط فقط فمتى توفرت لديهم أسبابه أقدموا عليه لا محالة لأن النفس أمارة بالسوء ومطالبها كثيرة جداً في باب ملذاتها فهي لا تقنع بالقليل وليس لمطامعها في اللهو حد اللهم إلا النفوس التي أنشأت على الفضيلة منذ الصغر وشبت وشابت عليها.