إذا تنقلنا من بيوت الشعر في الصحراء إلى بيوت الحجر في القرى ومنها أتينا المدن الصغيرة ثم زرنا المدن من الشرق إلى الغرب نرى حينئذٍ الفرق الواضح بين عادات البلاد وتأثير التمدن في أخلاق الأمم وها أنا ذا واصف شيئاً من الأخلاق والعادات في الأناضول الشرقي فأقول:
هذه البلاد تكاد تكون محرومة من وسائط النقل بل من وسائل التمدن والحضارة فالأخلاق والعادات هناك تغلب عليها السذاجة وهي أقرب إلى الفشيلة منها إلى الرذيلة ويعجبني تمسكهم في تلك البلاد بأهداب الدين تمسكاً حقيقياً لا يشوبه رياء. حتى أن الفقير منهم يخرج زكاة ما ملكته يداه ولهم عناية عظيمة بصلاة الجماعة وتلاوة القرآن الكريم سيما في شهر رمضان المبارك والرجل والمرأة متساويان في العبادة والأخلاق الفاضلة كما أن المسيحي لا يكون أقل تمسكاً بدينه من المسلم. أما الملاهي فيمكننا أن نقول لا أثر لها في تلك البلاد حتى أنها تندر جداً في مراكز الولاية وتقدم بتاتاً في مراكز الأقضية وأما أهل القرى فهم لا يعرفون معنى اللهو والملهى. وقد اتفق في قضاء (ناظمية) أن بعض الضباط هناك كانوا يقصدون القهوة في ليالي رمضان ويلعبون بالورق ترويضاً للنفس وقتلاً للوقت الطويل ولربما كانوا يقامرون مقامرة خفيفة جداً لا يعبأ بها وليست من الأهمية بمكان فاشترك معهم بعض شبان البلدة فثارت لذلك ثورة الغضب من السكان وطلبوا إلى الحكومة تعطيل القهوة ومنع المقامرة وإلا تفاقم الشر وعظم المصاب فلبت الحكومة طلبهم ومنعت المقامرة واللعب بالورق وحدث أيضاً أن مفتي البلدة جمعته الصدفة ببعض الشبان من المأمورين والأهالي خارج البلدة ومعم موسيقي قروي يزمر لهم وهم يصفقون له وينشدون بعض الألحان فتاقت نفس المفتي للسماع فجلس إليهم غير متعمد ولما شاع الخبر أن المفتي يجالس الشبان في الملاهي وأنه يصغي لسماع الألحان المطربة قامت عليه القيامة وسلقوه بألسنة حداد حتى اضطر أن يكفر عن سيئاته ويعدهم بأن لا يعود لمثلها وإن عاد فهو من الظالمين.
أما المرأة في الأناضول فهي إذا خرجت من بيتها تكون متحجبة والحجاب هناك حجاب حقيقي يقصد به التستر الحقيقي فلا يكاد يرى من المرأة شيء تحت الحجاب حتى ولا تظهر تحته رشاقة قدها وانتظام هندامها وإذا مشت إلى الرياض ترويحاً للنفس وترويضاً