وأما جابان فاجتمع عليه نصارى بكر بالليس فسار إليهم خالد وكانوا على طعامهم فعاجلهم وهزمهم شر هزيمة.
فتح الحيرة
ثم سار خالد قاصداً الحيرة فخرج غليه مرز بأنها واسمه الزادية وعسكر بظاهرها وأرسل ابنه فقطع الماء عن سفن المسلمين فبقيت على الأرض فسار خالد على الخيل نحو ابن الأزادية فحاصر خالد قصورها ودعا أمراءها إلى الإسلام وأجلهم يوماً وليلة فأبوا فقاتلهم المسلمون وافتتحوا الديور وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان بأهل القصور ما يقتلنا غيركم فصاح أهل القصور قد قبلنا الجزية فصالحهم خالد عليها وقدرت بمائة ألف وتسعين ألفاً واهدوا له هدايا فبعث بالفتح والهدايا إلى أبي بكر فلك يقبلها على أنها هدايا بل عدها لهم من الجزية.
فلله ما اسمي هذه النفوس وما أحرصها على العدل تساق لأبي بكر رضي الله عنه التحف العظيمة، والأموال الجسيمة، يهديها إليه هؤلاء الأعاجم عن طيب نفس واختيار من غير مشوق يشوقهم لها، ولا دافع يدفعهم غليها فلا يقبلها رضي الله عنه بل يعدها لهم من الجزية المرتبة عليهم، لئلا يتوهمون أنهم بمثل هذه الهدايا يكونون موضع نظره وأولى برأفته وعدله، فكان بذلك مبيناً لهم أن المسلمين لا تؤثر في نفوسهم أمثال هذه الهدايا ولا يعبأون بها، وأن من دخل تحت حكمهم لابد وأن تشمله العدالة الحقة، والحرية التامة، يحمونه في ماله وعرضه مادام طائعاً لهم، قائماً بشروطهم.
هكذا كان المسلمون أيام كانوا متمسكين بدينهم، عاملين بكتابهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم يتركون كون ما فيه شبهه، ويأخذون ما وضح حله وبذلك خضعت لهم الملوك العظيمة ودانت لهم الأمم التي لم يكن يخطر في خلدانهم أنهم يستولون عليها، فاللهم وفقنا للعمل بأوامر الدين والاقتداء بهؤلاء الأخيار الصادقين.