ومن العجيب أن مؤلف الرسالة عارض الحديث الصحيح الثابت في البخاري الذي رواه علي كرم الله وجهه في النهي عن المتعة بما نقله عن محمد بن جرير الطبري والإمام الرازي في تفسيرهما من قول علي رضي الله عنه لولا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شفي وأعجب من ذلك أن مؤلف الرسالة نقل عن النهاية الأثيرية وعن لسان العرب حديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو قوله ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم لولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شفى أي قليل من الناس ثم قال مؤلف الرسالة الظاهر رجوع الضمير في نهيه إلى عمر لا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك أن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها إلخ ما ذكره مما يدل على جهله أو تدنيسه. وبيان ذلك أن ما نقله عن ابن جرير والإمام الرازي لا يفيده لأنهما ليسا من المحدثين فكلاهما لا يعول عليه إذا خالف ما صح من الأحاديث كما هو مقرر عند أهل العلم على أن ما نقله عنهما إنما يفيد أنه أو لم ينه عمر عن المتعة لما احتاج إلى الزنا أحد إلا قليل من الناس ومعنى هذه الجملة أنه لو لم يحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة لكان فيها مندوحة عن الزنا إذ من المعلوم أن عمر رضي الله عنه إنما بين نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها كما مر ويؤيد ذلك ما جاء من حديث ابن عباس كما في النهاية الأثيرية وغيرها من كتب الحديث وفي لسان العرب مانصه الثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها (أي المتعة) حلالا ثم لما وقف على نهي النبي صلى الله عليه وسلم فلولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شفى إلى أن قال الأزهري وهذا حديث صحيح وهو الذي يبين أن ابن عباس صح له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة الشرطية وأنه رجع عن إحلالها إلى تحريمها أهـ ما ذكره في اللسان وهو نص صريح على رجوع الضمير في قوله (فلولا نهيه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو واضح من كلام الأزهري لا إلى عمر كما استظهره مؤلف الرسالة وعلله بأن الكلام في معرض التأسف والتألم من النهي عنها. وما كنا نظن أن مؤلف الرسالة يتهور في مثل ذلك. وكيف يصح لعاقل أن يدعي تأَلم ابن عباس من شيء أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتعوذ بالله من زلة القدم ونسئل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.