ما وعدها الله به في كتابه العزيز من السعادة الحقة والكمال الخالص حيث قالب (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم) الآية ثم لم يزل المسلمون في ترق وصعود كما دلت على ذلك آثارهم العظيمة، وأعمالهم الجليلة، حتى احتك الغربيون بالشرقيين فحدثت أمور أفضت بالمسلمين إلى ما هم عليه من الانحطاط والتأخر.
تسرب داء التفرنج الذي حمل إلينا من أوربا باسم المدنية الغربية وأخذ يعشش في قلوب الشبيبة الإسلامية ويتلون لأعين العوام بما يؤثر عليها ألا ترى إلى كثير من العامة اليوم بعد أن كانوا يلتفون في حلقات الذكر ويصطفون في مجالس العلم ويهرعون إلى المساجد زمراً زمراً لأداء الصلوات وإقامة شعائر الدين صاروا يتحلقون في الحانات حول الصهباء ويحتفون في المنتديات بالراقصات ومسارح الخلاعة أكثر الليل ويتسارعون لاستماع آلات اللهو والطرب وحضور مواطن الفسق.
أليس هذا من آثار ذاك الداء الفتاك الذي سرى إلى كثير من شبيبتنا الإسلامية ودار على محاور عقولها وجرى على مخالج أفكارها فتلوثت بأقذاره وتسممت بسمومه فاستبدلت الرذائل بالفضائل والوقاحة بالحياء والدناءة بالشهامة والذل بالعز والشقاوة بالسعادة.
ومن عظيم ما أثر على الأمة الإسلامية أنها بليت بكتَّاب فقدوا رشدهم من سحر هذه المدنية الغربية وزاغت قلوبهم من مموهات زخارفها فنفثوا في روع الأمة اليأس والقنوط من استرجاع عزها واسترداد مجدها وقتلوا كل عاطفة شريفة وفضيلة كريمة.
تالله أن كتاباً هذا شأنهم وذلك دأبهم لا يتصور أن يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حلّ بأمتهم ولا ضيقاً مما ينتابها لبعدهم عن أخلاق دينهم وانسلاخهم عم وطنيتهم.
فيا عقلاء الأمة اصرفوا عنان همتكم وواصلوا الدأب والجد والاجتهاد في إنقاذ أمتكم من هذه الأوضار وبينوا لها الأسباب التي أوصلتها إلى هذه الحالة التعيسة ومهدوا لها سبل الارتقاء عن دركات الانحطاط إلى ذرى السعادة الأبدية واسعوا في تهذيب أخلاقها وتثقيف عقولها وارتفاع مجدها بنشر الفضائل والكمالات فإن أمتكم هي الأمة التي قامت بمدنية العالم بأسره وامتدت سطوتها وسلطتها إلى ما شاء الله من أنحاء المعمور فإن الله تعالى يقول (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله مع المحسنين).