للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلقاً وخُلقاً وقولاً وفعلاً وكرماً وشرفاً وحسباً ونسباً بل كان عليه الصلاة والسلام المثال الكامل الجامع لأشتات الفضائل والسجايا، الشامل لمتفرقات المواهب والمزايا.

قال العالم الاجتماعي فريد بك وجدي إن تخيلت الملوك في عروشها والقياصر في أبهتها رأيت أنه عليه الصلاة والسلام أعلاهم في السيادة كعباً وأعطفهم على رعيته وأشدهم على أعدائه صولة وأقواهم عليهم شوكة وإن تخيلت القواد وسط كتائبها وغطاريف الحرب بين صفوفها رأيته صلى الله عليه وسلم أشدهم لها مراساً وأقواهم في هيجائها بأساً وأسرعهم في إدارة رحاها يداً وأرحمهم في إصلاء لظاها أسلوباً وإن تخيلت الفرسان في ثبات جأشها والشجعان في جلد أفئدتها رأيته صلى الله عليه وسلم أصبرهم في غمراتها وأجلدهم في هياجها وأطعنهم بالرمح في صفوفها وأضربهم بالسيف في نحور فرسانها وإن تخيلت الفلاسفة في حكمتها والمتشرعين في دقة نظرها في أدواء الأمم وعلاجها رأيته صلة الله عليه وسلم أحكم العالم قولاً وعملاً وأنفذ في علل الأمم وطبها نظراتً وإن تخيلت الشعراء في سعة خيالها وسبحها في بحار الابتكار وغوصها رأيته صلى الله عليه وسلم أبعد منهم في مجال وصف الحقائق مرمى وأكثر منهم لشوارد المعاني المبتكرة إصابة وإن تخيلت الخطباء في منابرها وهي تخلب الأفئدة بسحرها وتأسر الألباب ببيانها رأيته صلى الله عليه وسلم أحسنهم بضروب الكلام علماً وأكثرهم لأفئدة سامعيه أسراً وإن تخيلت الزهاد في صوامعها والعباد في محاريبها رأيته صلى الله عليه وسلم في الزهد صاحب العلم الأرفع والمقام الأول والعبادة النموذج الأكمل والمثال الأجمل.

من أي جهة نظرت إلى سيد العالمين رأيته فيها نسيج وحده ووحيد عالمه فاق كل فائق في صفته وبز كل سابق في خاصيته وفات كل ذي كمال في كماله الخ ما قاله ذلك الكاتب الكبير وهو قليل من كثير مما منحه الله تعالى لهذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فقد أوتي من الحكم البالغة والعلوم الباهرة والسياسة العادلة ما بهر العقول وأخذ بالألباب وهو مع هذا أمي لا يقرأ كتاباً ولا يخطه بيمينه وقد نشأ في قوم أميين في بلد ليس فيها عالم يعرف أخبار الماضيين وسير الأوليين. ما هذا إلا موهبة إلهية ووحي سماوي (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً).

كم فتح الله ببعثته أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ونجى به نفوساً هلكى وأرواحاً غرقى

<<  <  ج: ص:  >  >>