للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهدى به بعد الضلالة وعلم به بعد الجهالة ورفع به بعد الخمول وألف به بين قلوب مختلفة وأمم مفترقة.

قام صلى الله عليه وسلم وحيداً في أمته فريداً في أسرته لا مرشد له ولا نصير ولا عضد ولا ظهير حاملاً إلى الناس تعاليم ربه (قرآناً عربياً غير ذي عوج) داعياً إلى دين الله الأقوم وناموسه الأعظم آمراً بما يتكفل بنجاحهم في الدارين ويأخذ بهم إلى مصاعد السعادة ومعارج العز والرفعة ناهياً لهم عما يسوقهم إلى الخيبة والخسران ويقودهم إلى الذل والهوان ملزماً لهم بالاعتراف بمعبود واحد والاستكانة لسلطانه والرضوخ لأحكامه.

عز على عبدة الأوثان وضعاف الأحلام ما يدعوهم إليه من عبادة الله تعالى ونبذ المعتقدات الفاسدة والعادات السيئة وكبر عليهم تسفيه أحلامهم وتضليل آرائهم فنابذوه وجادلوه وحاربوه وكافحوه ولم يتركوا أسلوباً من أساليب المقاومة إلاَّ أتوا به لإحباط سعيه وإبطال دعوته كما هو مبين في كتب التواريخ والسيرة النبوية فقال له ربه سبحانه وهو أعلم به (قل يا آيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين).

ثم جرهم منهج المجادلة إلى طلب الحجة والبرهان على صدق دعواه فكان عليه الصلاة والسلام ينصب لهم الدلائل ويجيب في المقترحات كل سائل ويقيم الحجج والبراهين ويأتي بالمعجزات الباهرة الدالة على صدق دعواه كما وصل إلينا ذلك بطريق التواتر. ومن أعظم المعجزات التي استند إليها في إثبات دعواه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كتاب أحكمت آياته، وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول فلم يستطع أحد معارضته ولم يهتدوا إلى مثله في جزلته ومتانة ألفاظه وحسن نظمه وإيجازه مع جهدهم واستنفاذ ما عندهم في إخفاء ظهوره وإطفاء نوره (قل لئن اجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً).

فما كان في وسع عظمائهم وفصحائهم إلا أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه وهجروا لأجله بلادهم وأوطانهم وجفوا في محبته قومهم وعشائرهم وبذلوا في نصرته مهجهم وأرواحهم

<<  <  ج: ص:  >  >>