ومنها العقل لأنه موجب لقبح الكذب لا سيما إذا لم يجلب نفعاً ولم يدفع ضرراً والعقل يدعو إلى فعل ما كان مستحسناً ونبذ ما كان مستنكراً. ومنها حب النجاح في العمل فإن الإنسان إذا صدق في أقواله ركنت إليه الناس وجعلوه موضع ثقتهم وكان عاملاً كبيراً على تقدمه وفلاحه. ومنا حب الثناء والاشتهار بالصدق حتى لا يرد عليه قول ولا يلحقه ذم.
بواعث الكذب
منها أن يقصد الكاذب بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه ويصفه بفضائح ينسبها إليه ولذلك ورد الشرع المطهر برد شهادة العدو على عدوه ومنها أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذباً وكلامه مستظرفاً فلا يجد صدقاً يعذب ولا حديثاً يستظرف فيستحلي الكذب وهذا النوع أسوء حالاً مما قبله لأنه يصدر عن مهانة في النفس ودناءة في الهمة ومنها استجلاب النفع واستدفاعه فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغتراراً بالخدع واستشفافاً للطمع وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف لأن القبيح لا يكون حسناً والشر لا يصير خيراً وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل ولو فكر الإنسان لوجد أن الصدق خير وأبقى وأنه خير له أن يلاقي الصعاب ويحتمل المشاق وأذى الناس وبلاءهم في سبيل الصدق من أن يوصف بالكذب والفجور. وماذا على الإنسان لو صدق بعمله؟ وماذا يستطيع أن يصنع معه الناس؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك الخ).
ولكن هو الجهل الفادح الذي أنسانا آداب ديننا وأخلاق سلفنا الصالح وأوقعنا بكل ما نئن منه من الأخلاق الفاسدة التي جعلتنا في آخريات الأمم.
لو صدق المتوظفون في أقوالهم لعم الخير وانتظمت أعمال العباد ولما تردد أصحاب الحاجات وأرباب المصالح يقضون الأيام والشهور غادين رائحين يترقبون وفاء وعد المأمور الذي يمهل عمل كل يوم إلى الغد وقد يحول الحول ولا يصدق بقوله.
لو صدق الباعة لأمن الناس الغبن والغرور ولانتفع البائع والمشتري وآب كل منهما بصفقة رابحة وعمل مبرور.