لو صدق المؤرخون لما ضاع كثير من الحقائق التاريخية وأصبحت مشوشة لا يهتدي الباحث إليها بعد جهد النفس لما يعتورها من أكاذيب بعض المؤرخين.
لو صدق الكتاب في أقوالهم وزفوا الحقائق إلى القراء عارية من النفاق والأغراض والدسائس لصدقهم الناس فيما يقولون ولأخذوا أقوالهم وانتفعوا بها وحصل المر الذي وضعت الصحف لأجله ولما وصل المر بكثير من الصحف إلى اعتقاد الناس بأنها جعاب الكذب ومسرح الأغراض.
لو صدق المتظلمون إلى الحكومة في دعاويهم على خصومهم لما غصت المحاكم بهؤلاء المزورين الذين يفترون على الناس الكذب ولما ضاع على الحاكم العادل معرفة الظالم من المظلوم ولكن ما الحيلة والآباء والأمهات يرضعون أولادهم الكذب مع اللبن ويظنون بجهلهم أن ذلك من قبيل اللعب والمداعبة ولم يدروا أنهم بذلك يجعلون الكذب طبيعة من طبائع أولادهم ويغرسونه في جبلتهم ويجنون من وراء ذلك الحنظل والموت الأدبي.
هنا لعلنا نسمع قائلاً يقول قد اعتاد أكثر الناس هذا الخلق الذميم وصار من أخلاقهم التي يصعب استئصالها فماذا عسى تفيد النصائح والمواعظ ومن شي على شيء شاب عليه قلنا أن التذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات التي لا يسوغ تركها لوهم أنها لا تفيد على أن هذا الوهم لا حقيقة له ولا ظل بل إن التذكير قد يفعل في قلب المؤمن ما لا يفعله غيره من المؤثرات قال تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) ولنا هنا كلمة نوجهها إلى معلمي المدارس والقائمين بأمورها وهي ملاحظة التلامذة وترغيبهم في الصدق وتنفيرهم من الكذب والدأب على الفحص على من يكذب حتى يصير طبيعة ومجازاته أشد الجزاء وإكرام الصادق وترغيبه في الصدق حتى يصير طبيعة من طبائع التلامذة وبذلك يكونون قد خدموا الأمة أحسن خدمة وقاموا بما يجب عليهم تجاه مركزهم في المجتمع وعملهم هذا يغلب عليه النجاح أكثر من تذكير من اعتاد هذا الأمر وكبر عليه. ذلك لأن الأطفال وعاء نظيف قابلون لزرع الأخلاق الصالحة التي تعود عليهم وعلى أمتهم بالخير. وعلى الآباء أن يساعدوا على ذلك لا أن يعمل الأستاذ عملاً ويعمل الوالد ما يخالفه فيفسد الطفل بذلك وتضيع التربية والاعتناء بأخلاقه وفق الله الأمة لما فيه فلاحها.