يأمر بالتعاون والتناصر، الدين يأمر بالشفقة والرحمة.
السلف الصالح قام بأمر الجهاد كما أمر الله تعالى فملك بقليل من الزمن نحواً من ثلث المعمور، السلف الصالح قام بالتعاون والتناصر كما أمر الله فصارت القياصرة العظام لا تجسر على إيذاء فرد واحد من أفراد المسلمين علماً منهم بأن أنصاره وأعوانه المسلمون أجمعون.
السلف الصالح قام بالشفقة والرحمة كما أمر الله فكان الواحد منهم إذا سمع أن أحداً من المسلمين أصابته مصيبة أو نزلت به نازلة فدى إخوانه المسلمين المصابين بنفسه وواساهم بأمواله وآواهم بكنفه شفقة منه وحناناً وهذا التاريخ تعبق صفحاته طيباً عنبرياً من روائح أخبارهم الزكية وسيرتهم الطاهرة الطيبة.
إننا نعلم كلنا أن أولئك السادة (السلف الصالح) لم يكونوا أعظم منا خلقاً، ولا أكبر جثة، ولا أكثر عدداً، ولا أتم عدة، ولا أنظم جيشاً، ولا أوفر مالاً، ولا أرفه عيشاً.
نعم كانوا أطيب منا أخلاقاً، وأكبر نفوساً، وأصدق إيماناً، وأقوى قلوباً، وأعلى همماً، وأرجح أحلاماً، وأشد تمسكاً بدين الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبذلك دانت لهم رقاب الأمم وعلا كعبهم فوق هام الملوك والقياصرة والأكاسرة.
استعوضنا عن الأخلاق الطيبة الزكية بالأخلاق الحيوانية وعن التمسك بالدين التمسك بالعوائد الضارة المهلكة فرجعنا القهقرى وأصبحنا نهبة للطامعين ومضغة للطامعين. كان السلف رضي الله عنهم يعملون لإرضاء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون لإعلاء دينه فأصبحنا نعمل لأهواءنا ونجتهد لإرضاء نفوسنا وتحصيل شهواتنا.
أصبحنا نسمح بأموالنا الكثيرة نصرفها بحكم العادة على غير طائل وربما تكون على أمور تخالف الشرع والعقل. أصبحنا وهمنا أكل الطعام اللذيذ ولبس الثوب الناعم وسكنى الدار الفسيحة كل ذلك ونحن نسمع عن إخواننا المسلمين ونسائهم وأطفالهم وشيوخهم ما حل بهم مما يفتت الكبد ويمزق الفؤاد ولا من متأثر ولا من رحيم.
تأتي إلى الأكثر لتذكرهم وتلفت نظرهم نحو هؤلاء البؤساء ليعينوهم بما يستطيعون فتراهم غريقين في لجة أمور دنيئة بالنسبة لما تدعوهم إليه، تشير إليهم فلا يلحظون، تناديهم فلا يسمعون، تذكرهم فلا يفطنون، فإلى متى يا قومنا ونحن في هذه الغفلة نتدهور في هوة