في الجواب أن الكفر لا يتوقف على فعل العبادة الدينية في الكنيسة فقط بل يحصل بجملة أشياء يقصد إدخالها على التلميذ من قبل أساتذته وهو لا يدري من أمرها شيئاً كان يشك في صحة شيء مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالبعث والحساب والجنة والنار أو يشك في صحة شيء من القرآن على أنه إذا سلمنا أنه ربما انتفى جميع ما ذكر فلا ينتفي ما هو أقل من الكفر كالتهاون بالدين وأوامره لعدم مرانه عليها. وماذا يرجى ممن أفنى زهرة شبابه بين يدي قوم يدينون بغير دينه ويحاربونه في معتقداته ويتحينون الفرص ليحولوا بينه وبين الهداية؟ نعم لا يرجى منه إلا أن يكون كما قال ذلك الكاتب الغربي (أضر على الإسلام مما لو تنصر) والعيان شاهد عدل. رأينا ممن تخرج في تلك المدارس من يترك الصلاة عمداً بلا عذر بل سمعنا أن هناك من يرى ترك الصلاة تمدناً ورقياً وينعي على آبائه المحافظة عليها ويعد ذلك من الخرافات وضياع العمر ويستهزئ بفاعلها ويحتقره كما يحتقر أحدنا الحيوان الأعجم.
وهكذا سائر العبادات والأعمال الدينية فإنه يكرهها ويكره المتلبس بها ويعد التمسك بالدين والمحافظة على آدابه ضرباً من ضروب العبث بل قد يترقى به الحال إلى أن يعتقد أن الدين عثرة في المدنية والأخلاق الفاضلة كما يعتقد ذلك بعض أعداء الإسلام. هذا بعض مضار المدارس الأجنبية من الجهة الدينية والاعتقادية. أما مضارها في الأخلاق والآداب الاجتماعية فكثيرة يكاد أن لا يحصيها العد.
وجماع القول أن الأيدي التي تدير تلك المدارس تريد أن تربي التلامذة لها لا لأوطانهم ليكونوا أبناءها، ومن أعز أنصارها. فهي تربي التلميذ وتهيئه لما تستقبله من الأيام.
فلا غرو إذا عملت على كل ما يوسع المسافة بينه وبين مقومات قومه وهي كما تعمل على محو شعوره الديني تعمل أيضاً على تنفيره من لغته ووطنه وقومه وتحاول أن تضع مكان ذلك لغتها ووطنها وقومها واللغتان التي يلزم المسلم العثماني العناية بهما وهما اللغة العربية لغة القرآن والدين والعلم واللغة العثمانية لغة الحكومة والخلافة الإسلامية لا شأن لهما في تلك المدارس وإن كانا يذكران في (برنامجها) ويعدان من دروسها تمويهاً وتضليلاً كما تقدم ولذلك ترى كثيراً من ناشئة تلك المدارس يعلمون اللغة الفرنساوية ويتقنون فنونها وإذا سألتهم قراءة آية من القرآن العظيم صعب عليهم أداؤها من غير لحن فضلاً عن أن تسألهم