واضطهادهم وحرمهم ثمرة كدهم وعنائهم. ولو أتيح لهم الخلاص لكانوا سادة الناس وأغنياءهم. يقول ضعفاء الأحلام من المفتونين بآثار الغربيين أن أوروبا التي بلغت تجارتها وصناعتها الدرجة العالية، وفاقت مدنيتها في القرن العشرين مدنية جميع الأمم وصلت إلى ما وصلت إليه والربا عماد حركتها وأصل كبير من أصولها الاقتصادية. نقول أن من العبث بالنواميس الطبيعية أن ندعي أن الحركة منشؤها السكون وأن الأعمال متسببة عن الإهمال.
إن أوروبا لم تبلغ هذه الدرجة من الرقي بقعود مثريها عن العمل، واكتفائهم بما يبتزونه من الفقراء باسم الربا (كما يزعم من طمست بصيرته) إنما الذي أوصلها إلى هذه المرتبة هو حركتها التجارية والصناعية المنبعثة عن العلوم العصرية التي لم تعرف منها الشعوب إلا بعض أسمائها ثم لما فتحت لهم كنوز الأرض وقبضوا على زمام الثروة نظرت إليهم الأمم بعين الإجلال والإعظام وأخذوا يفكرون في الطرق التي توصلهم إلى اللحوق بهم، والاقتباس من مشكاة مدنيتهم فلم يكن إلا قليل حتى عرفوا طرق الوصول، وأدركوا سر ذلك التقدم ولكن فقدوا قوام هذه الأعمال العظيمة ألا وهو المال فسارعوا إلى اقتراضه من مثري أوروبا برباً غير قليل فلقوا منهم احتفاء ولينا في المعاملة إذ تيقن أولئك الغربيون أنهم بإقراض تلك الأمم شيئاً من الأموال بجنون فوائد جمة منها ترويج تجارتهم في ممالك هذه الأمم وإثقال كاهلها بالديون بصورة تؤدي إلى اضمحلالها، وفقدها استقلالها في حين أن الغربيين أصبحوا يمكنهم الاستغناء عن هذا النزر اليسير من المال، ولا يؤثر فقده على تقدمهم على أنهم لم يبذلوه إلا بفائدة مالية وفضل لا يستهان بهما. ولو جردت أوروبا من مطامعها الاقتصادية والسياسية في غيرها من الأمم لما رأيناها ترغب هذه الرغبة في الربا وتُعنى به هذه العناية، ولكانت صرفت قوتها المالية في ترقي تجارتها وتنمية صنائعها. وإن تكن بلغت مبلغاً كبيراً إذ الكمال كما يقال لا انتهاء له.
وبالجملة فإن وجود الربا مضر بأحوال الأمم الاقتصادية، ومحاولاتها الاجتماعية لذلك جاء الدين الإسلامي الحنيف بتحريم الربا وإعظام عقوبة مرتكبيه.
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون)