يجسر على كتابتها عنواناً لمحل تجارته. نعم لا أنكر أن هذه العوامل في المدنية العربية لم تكن مراعاة كل المراعاة وأعترف أن أكثر الناس كان يلوكها رياءً وسمعة ولكن مما لا يستطاع أن ينكره على أحد أنها كانت عوامل تلك الحركة ولا عوامل لها سواها في المبدأ. ثم أُقر بأن تلك العوامل انقلبت كلها إلى أضدادها وصار التراحم الأول تزاحماً في الحقيقة والتواهب تناهباً في الواقع وآل الأمر بتلك العوامل حتى صارت عين العوامل العصرية ولكن لا ينكر علي أحد أن مبدأ استحالة تلك العوامل إلى أضدادها كان أيضاً مبدأ فتور تلك الحركة وسكونها لأنها غير عواملها وسوى بواعثها الأصلية. من هنا يتضح أن شكل المدنية العربية لا يقتضي وجود الربا فيه ولو كان يقتضيه لنشأ فيه وإن شكل مدنية العصر الحاضر يقتضي الربا ولا يمكن سلامته منه كما يتضح لكل متأمل في حركة آلاتها الحيوية فإن كنا نريد إنسانية بواعثها التزاحم والتواهب والتضامن في الحياة والتكافل في المعائش والوازر بين جميع أفراد الأمة لإيصال أنفسهم إلى كمال مقدس ونيل سعادة روحية تامة وهذا يقتضي عقيدة بالله وباليوم الآخر وبالرسل. إن أردنا هذا الشكل من المدنية ارتفع الربا من بيننا وزال أثره وإن أردنا مجاراة أوروبا في حركتها والاستمداد بفضل حياتها والدخول في حزبها. بل والفناء في جسم شعوبها فليجعل الربا أصلاً من أصول مذاهبنا الاقتصادية. إن قلت وكيف العمل والحركة قد خرجت من أيدينا وصار إيقافها في غير وسعنا نقول: كلا! هذه كلمة عجز في كل أمة من أمم الأرض رجالاً يقال لهم الاشتراكيون لهم في علم الاقتصاد مبادئ عالية يكاد مذهبهم يعد خيالياً ومع ذلك فهم يدافعون عن مبادئهم ويكسبون كل يوم أحزاباً على أن مذاهبهم لم تزل نظرية محضة ولم تطبق على أمة من الأمم قط ولم يعرف للآن أتنجح أم تخيب. أفلا نساويهم نحن في ثباتهم هذا ونضمر في أنفسنا عقيدة راسخة بسمو مبادئنا على مبادئ هذه المدنية ونزيد تلك العقيدة كل يوم قوة بأبحاث جديدة وكتابات سديدة حتى نهيء الرأي العام لقبولها انتظاراً للفرص كما ينتظر اشتراكيو أوروبا الفرص أيضاً؟ وعلى أن الفرق بيننا وبين الاشتراكيين أن مذهبهم لم تؤيده التجربة للآن ومذهبنا قامت به أمة قروناً عديدة كانت فيها مثال الكمال والحياة والأبهة الاجتماعية فما معنى تأويلنا لنصوص كتابنا بعد هذا لتنطبق على أصول مدنية أوروبا في جهاتها السقيمة وما معنى تحليلنا لما حرم في ديننا القويم لينطبق على مبادئ