المسيحية نصرت الدولة العلية على روسيا وقت حرب القرم بالمال والرجال كما لا يخفى. ووطأتها بعضها على بعض أشد من وطأتها على الدول الإسلامية فقد اجتاحت مملكة بولونيا المسيحية واقتسمتها وحاربت ألمانيا فرنسا حرباً لم يشهد التاريخ مثلها وامتلكت جانباً منها وحاربت النمسا قبل ذلك وهي صديقتها الآن وأثارت فرنسا الحرب على كل دول أوروبا المسيحية في عهد بونابرت ولو حالفته تركيا لاكتفى بمحالفتها. وأثارت إنكلترا الحرب على جمهورية الترنسافل المسيحية وامتلكتها وعضدت اليابان الوثنية في حربها مع روسيا المسيحية. وقد تدعي الدول أحياناً أن الدافع لها إلى الحرب أمر ديني كما ادعت روسيا وقت حرب القرم وكما ادعت دول البلقان الآن ولكن هذه الدعوة لا تثبت على نار الامتحان. فإذا اختلفت دول البلقان غداًُ على ثغر احتلته أخذ بعضها بخناق بعض وقد تحالف إحداها تركيا على محاربة حليفتها اليوم ومن المحتمل أن الدين اليوم كان من جملة الدوافع للحروب الصليبية الأولى ولكنه لم يكن الدافع الوحيد ولا الدافع الأقوى وإذا قلنا أن المصالح المادية هي المحور الوحيد الذي تدور عليه سياسات الدول لا تخطئ.
فأنت ترى أنه استبعد جداً أن تكون أوروبا متعصبة على المسلمين والتمس لهم عذراً فيما يصدر عنهم مما يدل على ذلك بأن إنكلترا كثيرة الأملاك لا تطمع في امتلاك بلاد جديدة إلا إذا كانت صلة بين مستعمراتها وأن بعضها يطلب أن تكون لها مواني بحرية لمتاجرها وبعض الدول يهتم بامتلاك البلاد التي تكون مديونة لرعاياها محافظة على أموالهم إلى غير ذلك من الأعذار فإذا كان يوجد فينا من يقيم لهم الأعذار على تعدياتهم ومظالمهم فليس ببعيد على من يريد اغتصاب بلاد غيره وأعد لذلك عدته من القوة أن يعتذر بمثل ذلك وإذا كان وجود أملاك دولة صلة بين أملاك دولة ثانية مبيحاً للثانية امتلاك الأولى سهل على كل دولة قوية أن تبتلع أملاك مجاوريها بهذه الحجة.
وأننا مع احترامنا لأصحاب المقتطف وتقديرنا معارفهم حقها نستغرب كيف يجعلون محاربة المسيحيين بعضهم بعضاً دليلاً على عدم التعصب على المسلمين لأنه ليس من يدعي أنه لا تقع حرب ما إلا ويكون منشؤها الاختلاف في الدين إنما المدعي أنه إذا نشبت الحرب بين دولتين مختلفتين في الدين يكون أقوى البواعث عن شبوبها اختلاف الدين واعتماد أحد الخصمين على دولة أو دول أخرى من أهل مذهبه يساعدونه وينصرونه