الماضية والحاضرة والمستقبلة سبقاً واحداً لا تفاوت فيه (وليس له جهة من الجهات ألست ولا هو في جهة) لأنها من طوابع الأجسام وأضافتها. إن ما ذكرناه من التنزيهات وإن كان بعضها يغني عن بعض إلا أننا حاولنا التفصيل والتوضيح في ذلك إداءً لحق الواجب سبحانه وتعالى في باب التنزيل ورداً على المشتهى والمرسمة وسائر فرق الضلال والطغيان بأبلغ وجه وأكده فلا نبالي إذاً بتكرر الألفاظ المترافدة والتصريح بما علم بطريق الالتزام.
والتدليل على أنه تعالى مخالف للحوادث. أنه لو ماثل شيئاً منها لكان حادثاً مثلها ولوجب له مثل ما وجب لها من الحدوث فيفتقر إلى محدث وهو محال لما تقدم من وجوه القدم والبقاء له تعالى يؤكد هذا قوله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع والبصير) وحكمة تقديم السلب على الإثبات ليستفاد منه نفي التشبيه له مطلقاً حتى في السمع والبصر. وأما قيامه بنفسه فهو عبارة عن الغني المطلق أي لا يحتاج إلى محل ولا مخصص والمراد بالمحل الذات لا الحيز الذي يحل فيه الجسم. والدليل على ذلك أنه لو احتاج إلى محل لكان صفة إذ لا يحتاج إلى الذات إلا الصفات. والصفة لا تتصف بالصفات لامتناع قيام المعنى بالمعنى ولو احتاج إلى مخصص أي فاعل لكان حادثاً وهو محال (يا أيها الناس أنتم فقراء إلى الله والله هو الغني الحميد).
الحج
الحج ركن من أركان الإسلام، ومبني من مباني الدين، فيه نزل قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) وفيه قال عليه الصلاة والسلام حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها وقال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، فأعظم بعبادة حاز الإسلام بها الكمال. وأكرم بما جل عن أن يكون ثوابه غير الجنة، هذه منزلة الحج في الإسلام. ومكانته من الدين. وله رتبة في الاجتماع عجز عن الوصول إلى منتهى حكمتها الباحثون. وقصر عن نيل ذرى بغيتها المتطاولون. مهما تصورا من فضيلة للاجتماع. والموا بشرف للاتحاد.
ذلك لأنه مجتمع يجمع المئات والألوف ما بين مشرقي ومغربي. وجنوبي وشمالي. من عربي وأعجمي. وهندي وصيني. وكلهم متأدبون بأدب واحد. ومتوجهون لوجهة واحدة.