غنيهم يساوي فقيرهم. وشريفهم يعدل وضيعهم. لا كبر ولا عجب. ولا خيلاء ولا استيلاء. غنما هو إزار ورداء. وحالة تأخذ بالعقول.
مجتمع يوثق عري الإسلام ويحكم من روابطه يجمع هذه الألوف فيعرف بعضهم بعضاً. يعرفون أخوانهم في الدين. يعرفون مشاركيهم في أوامره ونواهيه. يعرفون مؤازريهم في تعظيم شعائره. ومناصريهم في الذب عن حياضه. فاعظم بهذه الرابطة التي ما تصورها متصور إلا وقدس من أحكمها. وخضع لعزته وجبروته. وأكرم بتلك الصلة التي لا يدانيها غيرها من الصلات. ولو دأب من تمسكوا بها على نشر فضائلها السنين العديدة. وحثوا على القيام بواجبها الأحقاب الطويلة مجتمع كلما تصوره الغربيون أخذتهم الرعدة. وتمكنت من قلوبهم الرجفة. وبادروا لعقد المؤتمرات والمنتديات يتبادلون فيها الأفكار. ويتجاذبون الآراء لحل عري هذه الرابطة القوية. بوضع عقبات نحول بين المسلمين وبين هذا الاجتماع. فكم عقدوا تحت عنوان (خطر الإسلام) من جمعيات وألفوا لتلافي هذا الأمر من شركات. وكم منعوا من يحكمونهم من المسلمين تارة بوضع المحاجر الصحية. وأخرى بأخذ الضرائب والرسوم وطوراً بالاسيثاق بالوثائق والعهود. (يريدون أن يطفؤ نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
مجتمع لو قدره أرباب التجارة وأصحاب الصنائع قدره لكان أكبر معرض في العالم تتقطع عليه قلوب الغربيين وأفئدتهم. وليس لهم من مثله ما يشفي من غلة. معرض تعرض فيه أصناف التجارة وسلع الصناعة فتبلغ أعلى درجة في الرواج. وتعلوا أرقى ذروة في الارتقاء.
مجتمع يجمع الفاضل المتحقق بالأخلاق الحميدة. والغر الجاهل ذا الطباع الرديئة. فإذا رأى الأول وما هو عليه تبدو له معايبه فيبتعد عنها ويقتبس كرائم الخصال.
مجتمع يتوصل به لحل مشكلات العلوم. ومعضلات الفنون. إذ أن هذا المشهد الحافل لا يخلو على التحقيق من فضلاء برزوا في كل فن واستسلم إليهم ما عصي فهمه على كثيرين من حملة العلوم. يعلم هذا من تصفح كتب التاريخ وأطلع على ما وقع في هذا المجتمع من المناظرات العلمية والمباحثات الفنية. التي انكشفت عن فتح باب كثير من المغلقات هذا ما استحضرناه الآن وأردنا نشره من فوائد هذا المجتمع. وما هو إلا قطرة من بحر مما حواه