للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مدارج الكمالات العقلية على أن من تلك النظامات ما كان مفيداً لمن وضعت في زمانهم وملائمة لمقتضيات عمرانهم لافتقار مناسباتهم الاجتماعية إليها ولكن لما كانت المناسبات الزمانية والمكانية لا تكاد يحصيها الإنسان لتغيرها كل آن وتحولها في كل خطوة يخطوها البشر فلا تصادف تلك النظامات أمة من الأمم لتنطبق عليها ولو وجدتها لا تلبث أن تعاكسها في شأن من شؤونها تحت تأثير ناموس الرقي فتلفظها لفظ النواة وتهجرها غير آسفة عليها.

هذا هو السبب الرئيسي لدوام التحول والتبدل في نظامات البشر وهذا أيضاً هو سبب تلاشي الأديان الباطلة التي أطلق قادتها لشياطينهم عنان الإفساد فأدخلوا إلى عقائدهم ما يتعالى الله عن تكليف الناس به لمصادمته للعلم ومعاكسته لبدائية العقل وعدم ملائمته لسنن الطبيعة فينساق أصحاب هذه العقائد في مبدأ الأمر للعمل بها طاعة لداعي ضمائرهم المتشعبة بيقينهم الوراثي ولكنهم لا يكادون يجرون شوطاً في خيالاتهم هذه حتى تصيح في أوجههم نواميس الطبيعة صيحة تردهم بها على أعقابهم مدبرين وتقرعهم بقوارع من الفتن المزعجة تجبرهم برغم أنفهم إلى درس أسباب تقهقرهم ومناشيء نكوصهم ليتخلصوا مما وقصوا فيه من المضانك الاجتماعية فيؤديهم درسهم إلى جراثيم تلك العلل فيميلون بما في مكنتهم إلى قتل مكاريبها وكشط أدرانها سواء كانت في نظاماتهم الاجتماعية أو في تعاليمهم الدينية.

ولا عجب فإن العقيدة إذا زاحمت الطبيعة سادت الثانية على الأولى وأجلتها ولو بعد حين. وقد أشار الله تعالى إلى ذلك (ولو إنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم) وما دامت الطبيعة والعقيدة من الله فلا يعقل أنه تعالى يكلف الإنسان بما يشق عليه ولا يستطيع أن يقوم به (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).

قلنا هذا هو السبب الرئيسي في تلاشي الأديان واحتمال تلاشي أكثر ما بقي منها وقد أشار إلى هذا السبب العلامة بنجامين كوتستان في كتابه المسمى الدين وينبوعه واشكاله وترقيه فقال: إن كل قاعدة مهما كانت نافعة في الحال فلا بد أن تكون محتوية على جرثومة تعارض الرقي في الاستقبال لأن تلك القاعدة تأخذ بطول المكث شكلاً عديم الحراك يأبى على العقل اتباعه في مكتشفاته التي ترقيه كل يوم وتظهره إذا حصل ذلك ينفصل في

<<  <  ج: ص:  >  >>