للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال الإحساس الديني عن تلك القاعدة المتحجرة ويطلب سواها من القواعد التي لا تحرجه ولا تجرحه ولا يزال يضطرب حتى يصادفها ثم علل هذا المؤلف احتمال تلاشي الأديان بعدم احتوائها على سائر الحريات الضرورية للإنسان وارتأى أنه لو كانت تلك الحريات موجودة فيها لبقيت بقاء الإنسان ولكنه عاد فيئس من ذلك فقال وكلنا نخال أن ذلك يتحقق مطلقاً لاعتقادنا أنها لن تترك شيئاً من أسسها. وحيث أن هذه الأسس تناقض العلم وتعارضه فيكون من المقرر الثابت إمحاء الديانات وزوالها.

إذا تقرر لديك كل ما مر نطرح هذا السؤال وهو: هل في الإسلام قاعدة تعارض ناموس الترقي في سيره أو فيه أس يأخذ لطول الزمن شكلاً حجرياً عديم الحراك يأبى على العقل اتباعه في مكتشفاته أو يتغاضى عليه في سعيه وراء سعادته؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال يجب علينا أن نلم بماهية الميادين التي تتسابق فيها محاولات إنسان وتتراكض في مناحيها جياد أمياله ومراميه فتقول: ليس أمام سائر مجهودات الإنسان غير ميدانين عظيمين وهما ميدان سعادته الروحية ومن قال بوجود ميدان ثالث حاكمناه إلى محاكم الطبيعة وألزمناه الحجة بنص قوانينها المحسوسة.

الإنسان مسوق بحكم الفطرة إلى تأييد مركزه في هذا الوجود الأرضي وتثبيت قدمه في هذا الوسط الطيني وله مما ركب في جثمانه من المطالب وما تقتضيه واجباته الحيوية المتجددة من الرغائب أكبر دافع له إلى الابتكار وأعظم سائق له إلى الاستثمار هرباً من فناء يتهدده وزوال لا يفتأ يتوعده وفي درس أقوال الشعوب في سائر أدوارها ما يغني القارئ عن كثير من الأمثال كما أنه بحكم تركيبه المعنوي إلى تلمس راحة روحه التي لا يقنعها معقول فتقف عنده لا يرضيها مقام فتلتزم حده.

لا يكاد الإنسان يأنس بملذة روحانية ويفرح بلطيفة نورانية حتى يجد من نفسه الرغب في الزيادة والتوق إلى دوام الاستفادة ولو عاندها الإنسان في مطالبها ووقف بها دون رغائبها قلبت له ظهر المجن وسقته من صاب المحن ما يجعل حياته المدنية أمر من العلقم وسعادته الجسمية أشد عليه من لدغ الأرقم. لأن السعادة الجسمية وحدها لا تغني عن الإنسان شيئاً ما دامت الحيرة تقيم فؤاده وتعقده والشكوك تميته كل يوم وتنشره ومهما غالط الإنسان إحساساته الداخلية فعالجها بالأشربة الروحية والمناظر الخيالية فهي لا تزال تريشه بسهام

<<  <  ج: ص:  >  >>