للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنوية حتى يقضي عليها فيموت جباناً أو يلتفت إلى مطالبها فيعيش إنساناً! ونحن لو أجلنا نظرنا في مناحي هذين الميدانين الحسي والمعنوي لما تمكنا أن نحددهما بحد ولا أن نقف لهما على تخم مما يدلنا دلالة واضحة إلى ما سيناله الإنسان المستقبل من الرقي في هذين المضمارين لا يقارن بما لدينا إلا كما تقارن الشمس بالمصباح الضئيل. إذا تحققت هذه البداءة فقل لنا كيف لا تموت قاعدة تعقل العقل عن متابعة مجراه في سبيل الاكتشاف وكيف لا ينتقض قانون يصد الفكر عن رحلاته في هذه اللا نهاية البعيدة الأكناف؟ إذا كان الخالق سبحانه قضى (لا معقب لحكمه) أن يترقى الإنسان من الوسائل وسلط عليه من الفواعل ما يجعل وقوفه في مركزه مستحيلاً فأي دين يعطل من مسير هذا القضاء وأي زهادة ترد الإنسان عن تسنم هذا العلاء؟ إذا كان خالق الطبيعة ومدبرها هو نفسه واهب الدين فهل يعقل أنهما يتناقضان أو يتعارضنا فيتصاولان؟ كلا.

قلنا أن أمام الإنسان ميدانين كلاهما غير محدود بحد ولا محصور بتخم وأن الإنسان مدفوع إلى رفع كل عقبة تقف أمامه فيهما ومسوق إلى بلوغ نهاياتهما وأن الدين الصحيح هو الذي ينشطه في قطع مفاوزهما ولا يضع أمامه العواثير دون غاياتهما فهل الإسلام حاصل على هذه المزية حتى يجدر بنا أن نسميه روح المدنية وأنشودة الإنسانية وباقياً بقاء الحياة الدنيوية؟ اللهم نعم. أما من حيثية حالنا في المعقولات فإن الإسلام يرينا أننا لم نزل في دور الطفولية منها وأن كل ما حصلناه إلى الآن لا يساوي قطرة مما سيصل أخلافنا إليه قال تعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ويرينا بعد ذلك أن باب العلم مفتوح لكل طالب ميسور لكل راغب فهو ليس مقصوراً على طائفة دون أخرى بل فرضه الله على كل رجل وكل امرأة من الهيئة الاجتماعية سواء في ذلك ألو الشرف والثراء أو أولو الضعة والضراء فقال تعالى: (وقل رب زدني علماً) وقال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وأرانا بعد ذلك كله بنص لا يحتمل التأويل أن العلم لا غاية له فقال له عليه الصلاة والسلام (من ظن أن للعمل غاية فقد بخصه حقه الحديث وليس بعد هذا تشويق إلى طلب المعارف الحقة من مطابها وأما من جهة حالنا في السعادة المادية فإن الله يصرح لنا في كلامه القديم بأنه قد خلقنا واستخلفنا في الأرض وأسبغ علينا نعماً ظاهرة وباطنة وجعلنا خلاصة إبداعه وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>