وحسب ذي السلطان أن السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة من عدله وعطيته وإنصافه وعنايته وشفقت وبره وتوسعته فذلك مكروه أحد البابين باستشعار فضله الباب الآخر ولزوم العمل به تلق إن شاء الله تعالى به نجاحاً وصلاحاً وفلاحاً. واعلم أن القضاء من الله تعالى بالمكان الذي ليس لديه شيء من الأمور لأنه ميزان الله الذي يعدل عليه أحوال الناس في الأرض وبإقامة العدل والعمل في القضاء تصلح أحوال الرعية وتأمن السبل وينتصف المظلوم وتأخذ الناس حقوقهم وتحسن المعيشة ويؤدي حق الطاعة وترزق من الله العافية والسلام يقيم الدين وتجري السنن والشرائع في مجاريها.
واشتد في أمر الله عز وجل وتورع عن النطق وامض لإقامة الحدود وأقلل العجلة وأبعد عن الضجر والقلق وانع بالقسم وانتفع بتجربتك وانتبه في صحتك واسدد في منطقك وأنصف الخصم وقف عند الشبهة وابلغ في الحجة ولا ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة ولا مجاملة ولا لومة لائم وتثبت وتأن وراقب وانظر وتفكر وتدبر واعتبر وتواضع لربك وارفق بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك ولا تسرعن إلى سفك الدماء فإن الدماء من الله عز وجل بمكان عظيم انتهاكاً لها بغير حقها.
وانظر هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية وجعله الله للإسلام عزاً ورفعة ولأهله توسعة ومنعة ولعدوه كيتاً وغيظاً ولأهل الكفر من معاديهم ذلاً وصغاراً فوزعه بين أصحابه بالحق والعدل والتسوية والعموم ولا تدفعن شيئاً منه عن شريف لشرفه ولا عن غني لغناه ولا عن كاتب لك ولا لأحد من خاصتك ولا من حاشيتك ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له ولا تكلف أمراً فيه شطط واحمل الناس كلهم على أمر الحق فإن ذلك أجمع لألفتهم والزم إرضاء العامة.
واعلم أنك جعلت بولايتك خازناً وحافظاً وراعياً وإنما سمى أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ونفذه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم واستعمل عليهم أولي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعلم والعدل بالسياسة والعفاف ووسع عليه في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلبت وأسند إليك فلا يشغلك عنه شاغل ولا يصرفك عنه صارف فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في عملك واستجررت به المحبة من رعيتك