وطب نفساً بكل ما أردت واجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب وليعظم حقك فيه وإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل الله وفي سبيل حقه واعرف للشاكرين حقهم وأثبهم عليه وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتتهاون بما يحق عليك فإن التهاون يورث التفريط والتفريط يورث الهوار.
وليكن عملك لله عز وجل وفيه وارج الثواب فإن الله سبحانه قد أسبغ عليك فضله. واعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيراً وإحساناً فإن الله عز وجل يكتب بقدر الشاكرين وإحسان المحسنين ولا تحقرن ذنباً ولا تمالئن حاسداً ولا ترحمن فاجراً ولا تصلن كفوراً ولا تداهنن عدواً ولا تصدقن نماماً ولا تأمنن عدواً ولا توالين فاسقاً ولا تبغن غاوياً ولا تحمدن مرائياً ولا تحقرن إنساناً ولا تردن سائلاً فقيراً ولا تحسن باطلاً ولا تلاحظن مضحكاً ولا تخلفن وعداً ولا تذهبن فخراً ولا تظهرن غضباً ولا تباينن رجاء ولا تمشين مرحاً ولا تزكين سفيهاً ولا تفرطن في طلب الآخرة ولا ترفع للنمام عيناً ولا تغمض عن ظالم رهبة منه أو محاباة ولا تطلب ثواب الآخرة في الدنيا.
وأكثر مشاورة الفقهاء واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة ولا تدخلن في مشورتك أهل الرفه والبخل ولا تسمعن لهم قولاً ضررهم أكثر من نفعهم.
وليس شيء أسرع فساداً لما استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح واعلم أنطك إذا كنت حريصاً كنت كثير الأخذ قليل العطية وإذا كنت كذلك لم يستقم أمرك إلا قليلاً فإن رعيتك إنما تعتقد على محبتك بالكف عن أموالهم وترك الجور عليهم.
ووال من صفا لك من أوليائك بالاتصال إليهم وحسن العطية لهم واجتنب الشح واعلم أنه أول ما عصى به الإنسان ربه وأن العاصي بمنزلة الحري وهو قول الله عز وجل (ومن يوق شح نفسه فآولئك هم المفلحون) فسهل طريق الجود بالحق واجعل للمسلمين كلهم في بيتك حظاً ونصيباً وأيقن أن الجود أفضل أعمال العباد فأعده لنفسك خلقاً وارض به عملاً ومذهباً وتفقد الجند في دواوينهم ومكاتيبهم وادر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معاشهم يذهب الله عز وجل بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم وتزد قلوبهم في طاعتك وأمرك خلوصاً وانشراحاً.