احتفظ من النعم احتفاظك من المعصية فوالله لهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك: ليس لأحد عذر في تعمد ضلالة حسبها هدى ولا ترك حق حسبه ضلالة: الدنيا أجل محتوم وأمل منتقص وبلاغ إلى دار غيرها وسير إلى الموت فرحم الله امرء فكر في أمره ونصح نفسه وراقب ربه واستقال ذنبه من يأس في شيء استغنى عنه.
(عثمان رضي الله عنه) خطب يوم بويع له بالخلافة فقال: أيها الناس اتقوا الله فإن الدنيا كما أخبر الله عنها لهو ولعب وزينة وتفاخر الآية فخير العباد فيها نمن عصم واعتصم بكتاب الله وقد وكلت من أموركم عظيماً لا أرجو العون عليه إلا من الله ولا يوفق للخير إلا هو وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وقال في خطبة: ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة غلا من تركها. وخطب وهي آخر خطبة فقال: إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعططموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله جل وعز فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم ولا تصيروا أحزاباً (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا).
إن لكل شيء آفة ولكل نعمة عاهة وإن آفة هذا الدين وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون طعام مثل النعام يتبعون أول ناعق: يكفيك من الحاسد أن يغتم وقت سرورك ونظر إلى قبر فبكى وقال هو أول منازل الآخرة وآخر نازل الدنيا فمن شدد عليه فما بعد أشد ومن هون عليه فما بعده أهون.