العالم الذي لا يعجز عن شيء ممكن لا يغيب عن علمه مثقال ذرة كما جمع تلك الأجزاء المتفرقة أولاً ثم جعلها منياً ثم كون الشخص الذي تختلف صور أعضائه مع كون المني متشابه الأجزاء وأودع فيه القوة الناطقة والفاهمة اللتين لا يقتضيهما المني يقدر أن يجمعها مرة ثانية إذا افترقت بالموت ويكون منها شخصاً ويعيد النطق والفهم إلى محل كانا فيه فالأول عند المنكرين ليس مستبعداً فلا يكون الثاني مستبعد أيضاً.
الثاني الحب فإنه مع اختلاف أقسامه وأشكاله إذا وقع في الأرض الندية واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد لأن أحدهما يكفي في حصول العفونة أو الفساد ثم إذا ازدادت الرطوبة ينفلق فلقتين فيخرج منهما ورقتان أما النوى فإنه يظهر في أعلاه شق وغي أسفله شف مع ما فيه من الصلابة العظيمة فيخرج من الأعلى الجزء الصاعد ومن الأسفل الجزء الهابط الذي يغوص في أعماق الأرض مع اتحاد العنصر واتحاد طبع النواة والماء والأرض فالقادر الذي يفعل هذه الأمور كيف يعجز عن جمع الأجزاء بعد افتراقها بالموت وعن تركيب الأعضاء.
ومن الأدلة المحسوسة ما يجده الإنسان منا في نفسه من الزيادة والنمو وقت السمن ومن النقصان والذبول وقت الهزال ثم أنه قد يعود إلى حالته الأولى بالسمن وإذا جاز تكون بعض البدن جاز تكون كله فظهر أن الإعادة ليست بممتنعة.
رابعاً حصول اليقظة بعد النوم فإن النوم صنو الموت واليقظة شبيهة الحياة بعد الموت ومن أراد زيادة الاستطلاع على الأدلة فليراجع المطولات فإن فيها مزيد من الإيضاح.
إذا تقرر هذا فاعلم أن مدار القول بإثبات الحشر على أصول ثلاثة أحدها أنه تعالى قادر على كل ممكن وثانيا أنه تعالى عالم بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات وثالثها أن ما يمكن حصوله في بعض الأوقات فهو ممكن الحصول في سائر الأوقات وقد ثبت بالبراهين القطعية حقيقة هذه الأصول الثلاثة فإمكان الحشر يكون ممكناً لأن الله تعالى يمكنه تمييز أجزاء بدن كل واحد من المكلفين عن أجزاء بدن غيره وإعادة التركيب والحياة إليه كما كانا أولاً (والله على كل شيء قدير) لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).