للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

فإن قلت: روى البخاري ومسلم من حديث أبي حازم بن دينار «أن رجالا أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر مم عوده، فسألوه عن ذاك، فقال: " والله إني لأعرف مما هو، ولقد رأيته أول يوم وضع وأول يوم جلس عليه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.. الحديث، وفي آخره: ثم رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى فسجد في أصل المنبر، ثم عاد فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي» ، فهذا يدل على ما ذكره الطحاوي، وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وحكاه في " المحلى " عن الشافعي وأحمد قال: وقال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله: لا يجوز، ويجوز الاقتداء من سطح المسجد ورفه، وبه قال الشافعي وأحمد وفي " المغني " صلى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على سطح المسجد بصلاة القوم، وفعله سالم.

قلت: روى أبو داود في " سننه " من حديث همام أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك، قال بلى قد ذكرت حين مددتني، وروى أيضا من «حديث عدي بن ثابت الأنصاري حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بالمدائن فأقيمت الصلاة فتقدم عمار بن ياسر، وقام على دكان يصلي والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: " إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم " أو نحو ذلك، قال عمار - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يقوم الإمام فوق شيء، والناس خلفه يعني أسفل منه» رواه الدارقطني.

والجواب عن حديث سهل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان فعله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - للحاجة إلى تعليم القوم وقد قلنا: إنه لا يكره للضرورة، وأيضا قد يحتمل أنه كان في الدرجة السفلى؛ لأنه لا يحتاج إلى عمل كثير في النزول والصعود، والعمل الكثير مفسد للصلاة بلا خلاف، وأيضا هو فعل، والذي قاله الأكثرون قول، والقول مقدم على الفعل، وقال ابن قدامة لاحتمال اختصاصه بفعله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

قلت: هذا لا يمكن مع قوله: إنما فعلت هذا لتقتدوا بي ولتعلموا صلاتي فقد نص - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أنه غير مختص به، بل فعله كذلك لتقتدوا به فيما فعله، والذي نقله ابن حزم عن الشافعي وأحمد وعطاء وعن أبي حنيفة غلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>